أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    مصر.. تصريحات أزهرية تثير غضبا حول الشاب وخطيبته وداعية يرد    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    وزير الخارجية يتناول مع وزير المؤسسات الصغرى والمتوسطة الكامروني عددا من المسائل المتعلقة بالاستثمار وتعزيز التعاون الثنائي    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    القصرين: مشاريع مبرمجة ببلدية الرخمات من معتمدية سبيطلة بما يقارب 4.5 ملايين دينار (معتمد سبيطلة)    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    صفاقس : "الفن-الفعل" ... شعار الدورة التأسيسية الأولى لمهرجان الفن المعاصر من 28 إلى 30 أفريل الجاري بالمركز الثقافي برج القلال    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق «الشروق»: مسقط «نيكسون» يكشف خفايا حرب بوش على العراق
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

في كتاب الصحافي الأمريكي المعروف بوب وودورد، «خطة الهجوم» يبدو غزو العراق مبيتا ومحضرا وجاء نتاجا طبيعيا لهذه الجهود التي قام بها مجلس حرب قاده الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي جاء للبيت الأبيض وفي ذهنه اكمال ما لم يكمله والده في عام 1991 وهو الاطاحة بصدام حسين.
ويحدد بوب ودورد بدء التحضير الفعلي لاحتلال العراق بشهرين او اكثر من الهجمات التي نفذها مهاجمون من القاعدة على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001، ففي 21 تشرين الثاني (نوفمبر) اخذ بوش دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع بيده الى غرفة جانبية في البيت الابيض وطلب منه العمل على تطوير خطة للعراق ومراجعة الخطة السابقة وتقديم تقييم لها، بوب وودورد الصحافي في واشنطن بوست يقدم صورة عن اهم اللاعبين في احتلال العراق، حيث يتحدث عن ايديولوجيي اليمين ويقدم معرفة داخلية عن تصرفاتهم، والطريقة التي يفكرون بها، وبالتحديد دونالد رامسفيلد وديك تشيني اللذان يقفان وراء معظم الجهود للاطاحة بصدام حسين. بوب وودورد يكتب بشفافية الصحافي المطلع على خفايا البيت الابيض ما كان يقال في الصحف باعتباره تكهنات، وهو يؤكد الحقيقة ولا ينفيها، ويصف اصرار الرئيس على تغيير النظام بالعراق، واستغلاله للحرب على الارهاب التي نتجت بعد الهجمات لتبرير هذا والدفع باتجاه انجاز المشروع. واهم ما في الكتاب انه يرصد الادوار التي لعبها اليمين الامريكي، او صقور الادارة الامريكية في تقديم التبريرات، او الدفع باتجاه الغزو، وهو بهذه المثابة يعتبر دليلا لافكار هذا الفريق الذي احتل مناصب هامة في البيت الابيض والدفاع، ويدير مراكز بحث تعمل على تزويد الادارة الامريكية بالافكار، وتعيد انتاج ما كان يقوله اليمين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عن ضرورة تأمين المنطقة العربية بما يخدم المصالح الامريكية، باستثناء وحيد ان غزو المنطقة العربية لم يعد منحصرا باحتلال منابع النفط، ولكن تغيير الانظمة تحت شعار نشر الحرية والديمقراطية للوصول إلى منابع النفط. بوب وودورد باعتباره صحافيا يحظى باحترام يقدم سردا واضحا للنقاشات والخطط التي دارت في داخل اروقة صناع السياسة في امريكا بعد هجمات سبتمبر وحتى فيفري 2003 حيث بدا ان امريكا جادة فيما تقول وعازمة على احتلال العراق. واهمية كتاب خطة الحرب انه يستند علي مقابلات ولقاءات مع 75 من مسؤولي الادارة بمن فيهم جورج بوش، الرئيس الامريكي، الذي جلس معه ثلاث مرات، امتدت كلها على ثلاث ساعات ونصف، وكانت المقابلات الثلاث التي تمت في ديسمبر العام الماضي من اجل هذا الكتاب، اضافة لسجلات ووثائق. وودورد كاتب معروف في الصحافة الامريكية لانه كان مع زميل صحافي له هو كارل بيرنشتاين، وراء الكشف عن فضيحة ووتر غيت التي اطاحت عام 1974 بالرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون، والتي تمحورت حول عملية تنصت قام بها الرئيس على مقر الحزب الديمقراطي في ووترغيت. يبدو غزو العراق مثل حوادث موت معلن ، فهو سر مفتوح ابقت عليه الادارة الامريكية للحظة الاخيرة في مارس 2003. واهم ما يميز الكتاب انه يكشف عن مواقف وادوار لعبتها انظمة عربية، حيث حاولت امريكا التعاون معها من خلال قنوات سرية، لتسهيل الغزو واسقاط نظام صدام حسين، وبدا هذا واضحا في زيارة ديك تشيني إلى المنطقة عام 2002 عندما حمل معه رسالة واضحة لهذه الانظمة ان امريكا عازمة على فعل عسكري، وبحث مع كل منها المطالب الامريكية. ومن هنا يكشف الكاتب عن تناقض المواقف العربية المعلنة من غزو العراق والترتيبات التي وافقت عليها مع الادارة الامريكية بالسر.
المعلومات التي يقدمها وودورد تعطي احساسا ان فرصة ربما ضيعها بعض المسؤولين العرب لتلافي الحرب وتجنب ويلاتها، حيث طرحت في تلك الفترة فكرة خروج صدام للمنفى مع عائلته، ويشير الكاتب هنا الى ان مبعوثا مصريا طرح الفكرة مع بوش ورايس اللذان رحبا بالفكرة الا ان بوش تردد في اعطاء ضمانات.
ويبدو في داخل الفريق اللاعب والمحفز على احتلال العراق، ديك تشيني، الذي طلب من مسؤولي ادارة بيل كلينتون الذين كانوا يحزمون امتعتهم تقديم اهم الملفات المتوفرة لديهم عن العراق. وعلى خلاف موقف ديك تشيني وممثلي اليمين الذين تمركزوا في الادارة الجديدة، كانت المخابرات سي اي ايه تعتقد ان اي تحرك لها داخل العراق يظل مرهونا بقرار من البيت الابيض لعمل عسكري، فالتقديرات التي قدمتها المخابرات الى الادارة اعتمدت بالضرورة على ان دعم العراقيين للاطاحة بصدام يعتمد علي النية الامريكية، وتوصلت المخابرات تحت ادارة جورج تينت الى حقيقة مفادها ان لعبة الانقلابات لن تجدي، خاصة ان صدام ظل في السلطة لاكثر من ثلاثين عاما ولديه خبرة في تحديد الخصوم واحباط الانقلابات. ويبرز في هذا الاطار دور شول الذي عمل كمسؤول عن ملفات في المخابرات في عدد من محطات سي اي ايه في الخارج، وتسلم مكتب العراق وتحليل المواد الامنية المتوفرة عنه، بعد ان كان مكتب العراق في المخابرات بمثابة سجن لكل الطاقات العاملة في المخابرات، فالمكتب عرف في داخل اروقة المخابرات باعتباره المركز الذي يقتل صعود الموظفين في هيكل المخابرات واطلق عليه مكتب الدمى المتحطمة ، وفي العادة يعمل فيه موظفون ينتظرون التقاعد. وقام شول الذي حدس ان ادارة بوش عازمة على اعادة ترتيب الملف العراقي بدراسة تحليلية لكل المواد المتوفرة عن العراق ونظام صدام، وتأكد لشول ان التغيير لن يتم عبر انقلاب او دعم جماعات معارضة، بل من خلال عمل عسكري مباشر. وفي الوقت الذي كان رامسفيلد يقوم بتطوير استراتيجية احتلال جديدة للعراق، فقد اقتضى العمل على جبهة الدبلوماسية، وبدا المدخل الامريكي بشأن العراق متناقضا فهو يدعم سياسة الاحتواء للنظام عبر استمرار فرض العقوبات على العراق، وفي الوقت نفسه تعمل الادارة على خطط عسكرية وقائية، وهذا المدخل كان مشوشا للعديد من المسؤولين الامريكيين. كما يكشف الكتاب عن الافكار التبسيطية التي حملها عدد من المسؤولين عن الغزو الذين اعتقدوا انه سيكون سهلا. الاهم من ذلك ان اللعبة البلاغية، ومحاولات العودة للامم المتحدة، والسماح لمفتشي الامم المتحدة بالعودة للعراق لم تكن الا لعبا وخداعا، تمسحت بها، ولم تؤثر علي مشروعها في العراق.
**محور دول الشر: غطاء لغزو العراق
خلال هذا التحضير للحرب قدمت خطابا عاما مراوغا عن العراق، فبوش اكد مرارا على ان سياسة الولايات المتحدة هي الاطاحة بصدام حسين ولكن اللغة التي استخدمها ظلت لغة معلقة، غامضة، ولعل فكرة محور دول الشر التي طرحها بوش في خطاب حالة الاتحاد عام 2002 تعبير عن محاولات الادارة الاختفاء وراء الكلمات في الوقت الذي واصل فيه تومي فرانكس جهوده لتطوير خطة حرب اكثر عملية من الخطة القديمة المتوفرة لغزو العراق. مصطلح محور دول الشر عبر عن التحول في السياسة الخارجية الامريكية في مرحلة ما بعد هجمات سبتمبر فقد اخذت السياسة بالميل نحو بناء علاقة بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل ومن هنا فان كتاب خطابات الرئيس عملوا على تضمين هذه الفكرة في خطابه عن حالة الاتحاد، وفي البداية حاول مايكل غيرسون، كاتب خطابات بوش تأكيد هذه التسمية في الخطاب، فهو مثل غيره من المسيحيين المتحمسين في ادارة بوش اعتقد ان العالم تغير بعد عام 2001، وغيرسون يصف نفسه بالمسيحي المتحمس المحافظ وعليه لم يخجل من تضمين رؤيته الدينية وحماسه الاخلاقي خطابات الرئيس، وقام غيرسون باستخدام هذا الموقف الذي مزج بين الايمان الشعبي والقصص التوراتية في خطابات بوش التي كتبها بعد مرحلة الهجمات على نيويورك وواشنطن. وقام غيرسون ببحث طويل ومكثف لاعداد خطاب بوش، حيث ناقش طويلا مع كوندوليزا رايس مستشارة بوش للامن القومي، كما طلب من ديفيد فرام، الكاتب المحافظ العامل في فريقه لنحت مصطلح من كلمتين يلخص موقف الادارة الامريكية من العراق. ومثل كل المحافظين الجدد اعتقد فرام ان المخرج الذي يبحث عنه بوش في العراق يكمن بربط نظام صدام حسين بفكرة الدول الداعية للارهاب، ولهذا جاء بفكرة محور الكراهية ، المصطلح الجديد هذا عكس فكرة التحالف في الحرب العالمية الثانية دول المحور ، وكان غيرسون قد تذكر ان تشيني عندما انضم الى حملة جورج بوش عام 2000 كان اول من ربط بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل، ولهذا قام بتغيير الفكرة الى محور دول الشر ، وعندما قرأت رايس المسودة الاولى من الخطاب اعجبت بها، الا انها ومساعدها ستفن هيدلي اللذين كانا عارفين بخطط الحرب خشيا ان يفسر تضمين العراق وحده في الخطاب باعتباره مرحلة اعلان حرب. ولهذا اقترحا اضافة اسماء دول جديدة، فرايس لم تكن راغبة بتضييع فرصة الحديث عن العلاقة بين الارهاب واسلحة الدمار الشامل، وعليه كانت كل من ايران وكوريا الشمالية مرشحتين لانهما دولتان تدعمان الارهاب وتطوران اسلحة دمار شامل.
لكن اسم ايران اصبح معضلة لان هذه الدولة فيها نظام ديمقراطي، وقد تقبلت رايس مخاوف هيدلي عندما قال ان ايران بلد يختلف عن العراق وكوريا الشمالية، وان تضمينها بالخطاب سيثير انتقادات، ولكن بوش اصر على اضافة الاسم لدعم الحركة الديمقراطية في ايران كما قال في تصريحات لاحقة للمؤلف. لا مجال للشك، العراق وكوريا الشمالية وايران تمثل الخطر الحقيقي على السلام في الوقت الحالي . وعندما سئل عن رد فعل الايرانيين قال ان الجماعات الديمقراطية والمعارضة ستفرح اما النظام فلا. واكد بوش ان دور امريكا في العالم هي نشر الحرية، وعندما ساله الكاتب ان امريكا بهذه المثابة تتصرف بطريقة ابوية تجاه دول العالم الاخرى، عندها قال توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، وخوسيه ماريا اثنار، اسبانيا، وجون هوارد، استراليا يشاركونه في هذا الموقف. يقول وودورد ان غيرسون كان مسرورا بالاكتشاف الذي قام به، حيث كانت الدول التي تعارض سياسة الولايات المتحدة يطلق عليها في الغالب اسم الدول المارقة او المنبوذة وفي هذا المصطلح الجديد فانه قام بعكس ظلال الحرب العالمية الثانية وخطابة رونالد ريغان في الثمانينات عندما وصف الاتحاد السوفييتي السابق بامبراطورية الشر. والخطاب يعكس، كما يقول الكاتب دهشة بوش من الدول التي تنتج ايديولوجيات لقتل الامريكيين، وعليه فقد آمن بفكرة اصلاح هذه المجتمعات. هذه الفكرة لم يتفوه بها اي رئيس من قبله وجاءت نتيجة الهجمات التي نظمها مهاجمون للقاعدة على التراب الامريكي، لويس (سكوتر) ليبي، ايضا عبر عن تحفظه من الاشارة لايران، ولكن هذه التحفظات تراجعت امام ما اعتقده عدد من مسؤولي الادارة انه عبارة مهمة وستترك اثرها. في داخل الخارجية الامريكية، عندما قرأ كولن باول ومساعده ارميتاج الخطاب اعتقدا انه غامض، واقترحا تغيير عبارة ان 100 الف ارهابي يتجولون احرارا في العالم، واقترحوا تغييرها الي عشرات الالوف. ومع ان باول مر على فكرة محور دول الشر، الا انه لم يقف كثيرا عندها لاعتقاده ان خطاب حالة الاتحاد ليس حدثا كبيرا، وهو مناسبة ستمضي، ونفس الموقف وجد في المؤسسة العسكرية، فبعد عامين من الخطاب قال رامسفيلد انه ربما لم يشاهد الخطاب قبل القائه في 29 ديسمبر 2002. وكذا جورج تينت الذي كان يعتقد ان مهمة امريكا الحالية هي محاربة الارهاب، ولكن عبارة محور الشر اعطت اشارة واضحة عن التغير في السياسة الخارجية الامريكية، وفوق هذا فقد منحت المؤسسة العسكرية غطاء لمواصلة خططها بشأن الحرب، تاركة الاعلام والمحللين في شأنهم واتفاقهم او اختلافهم حول المصطلح. فبعد ثلاثة ايام من خطاب بوش، استدعى رامسفيلد فرانكس الى البنتاغون لمواصلة الخطط ، وفي هذه المرة قدم فرانكس اول خطة عملية لغزو العراق حيث ابتعدت كثيرا عن الخطط القديمة وبنت رؤيتها على جدول زمني، وحملت اسم خطة العملية 1003 ، وتحدثت الخطة عن مراحل زمنية تقتضي استخدام 160 الف جندي، واشارت الخطة الى حاجة امريكا الى فترة ثلاثة اشهر لوضع الجنود في المنطقة، وخمس واربعين يوما يحتاجها القصف الجوي المكثف، اما المرحلة الاخيرة فهي مرحلة الهجوم الجوي الذي قد يكتمل في 90 يوما وعندما قدم فرانكس ما اسماه خطة البداية المتولدة للرئيس بوش وهي الخطة المعدلة لخطته التي قدمها لرامسفيلد استخدم المصطلح الرقمي (90 45 90) لتلخيص الجدول الزمني للحرب، وكانت هذه هي المرة الاولي التي شاهد فيها بوش خطة حقيقية لغزو العراق. وفي اثناء عرض فرانكس للخطة، قدم فرانكس لبوش مصطلح الصدمة والترويع ، ما كان يحدث في الغرف الخلفية من عمليات تخطيط انعكس على تصريحات بوش العامة ولكن بطريقة غامضة فقد اكد انه يحتفظ بكل الخيارات امامه على الطاولة.
في مكتب تشيني، كانت الخطط التي يقوم بها فرانكس تحت اشراف رامسفيلد قد اخذت وقتا اطول مما تحتمله، ومن هنا يشير الكاتب الى دور المحافظ اندي كارد، احد كبار المسؤولين في فريق بوش، حيث كان كارد واعيا بما يمثله العراق لكل جنرال، ميدان تقليدي للحرب، كبير، خطط حربية كبيرة بعربات حاملة للجنود، والاف الطلعات الجوية والمدرعات التي تخترق الصحراء ، وما اعطى كارد تأثيرا على جورج بوش الابن، انه عمل مع والده، حيث كان وراء النصر الذي حققه الاب على المرشح الديمقراطي بوب دول، وخلال فترة كلينتون، عمل كارد في اللوبي لصالح شركات تصنيع السيارات، وكارد درس التصميم الهندسي اما زوجته فتعمل قسيسة. وتأثير كارد على بوش يبدو من محاولته زرع في ذهن الرئيس فكرة ان الرئيس وليس غيره هو القادر على اتخاذ القرار بشأن الحرب على العراق، ولهذا قام باستعادة مشهد غزو بنما للاطاحة بنظام مانويل نورييغا، حيث كان جورج بوش الاب هو الذي ترك لاتخاذ القرار ويرسل الجنود الامريكيين هناك.
**المخابرات تعيد ترتيب اولوياتها
في المخابرات الامريكية، تم التركيز على حرب الارهاب والقاعدة، والعراق لم يكن داخلا في معادلة الاولويات. ومع ذلك فشول المسؤول الجديد عن عمليات العراق، وجد ان مصادر المعلومات الاستخباراتية القادمة من العراق كانت شحيحة جدا، ومرة تساءل جورج تينت عن السبب الذي يجعل كل المعلومات الامنية المتوفرة عن العراق تأتي في العادة من مصادر الاستخبارات البريطانية، وعندما حاول شول الحديث عن عملية استخباراتية داخل العراق لدعم الجهد العسكري لاحظ ان عدد العملاء العراقيين في الداخل قليل جد ويعدون على اصابع اليد، وهؤلاء العملاء متواجدون خارج المؤسسة العراقية اي بعيدا عن الحرس الجمهوري والجيش، والذين يعملون منهم في وزارة الخارجية العراقية كانوا في مناصب هامشية، ولاحظ شول صعوبة التواصل مع العملاء العراقيين نظرا لعدم وجود سفارة امريكية في العراق، وتوصل شول الى حقيقة مفادها ان عمل المخابرات في العراق لن يطيح وحده بنظام صدام حسين، وان الطريقة الوحيدة لتجنيد عملاء في الداخل هو اظهار ان واشنطن لديها النية الحقيقية لاحتلال العراق. وعليه قام شول ومساعدوه بوضع خطة عمل لدعم تغيير النظام في العراق وهو الامر الذي وجه المخابرات لدعم الجيش الامريكي في جهوده للاطاحة بصدام حسين. وقع بوش الامر في 16 فيفري 2002 وقامت خطة شول على زيادة عدد العملاء داخل العراق من 50 في البداية الى 360 خلال ستة اشهر. فرانكس في رسمه للخطط ومراجعته لها ونقاشاته مع مسؤولي الادارة الامريكية، قدم في مرحلة خارطة مفصلة للاهداف المحتملة التي يمكن ضربها بالعراق وعددها اربعة الاف هدف، فعلى خلاف افغانستان التي لم تجد امريكا فيها ما تدمره، كما اشار رامسفيلد عندما قال ان الجيش لم يكن يعاني من قلة اهداف، ومن هنا طلب رامسفيلد من فرانكس تنظيم الاهداف بجداول حسب اهميتها واولويتها. فرانكس اكد ايضا في خطته على الدور الذي سيلعبه السياسيون في اقناع الدول الجارة للتعاون في الغزو. وعندما اعلم تشيني فرانكس بنيته القيام بجولة في المنطقة في مارس وطلب منه تقديم اطار عن المطلوب من هذه الدول، وعليه قدم له فرانكس ورقة سرية قام باعدادها بالتعاون مع رامسفيلد حدد فيها المطلوب من كل دولة عربية على حدة، سواء كان هذا توفير فرص لانطلاق الجيش، او التزود بالوقود، التجمع على اراضيها للانطلاق، تقديم معلومات امنية وغير ذلك. وقدم فرانكس صورة شخصية عن مسؤولي المخابرات في كل البلدان العربية التي زارها. وبحسب الافتراض الامريكي، فكل الدول العربية ستعارض علنا الاطاحة بصدام حسين، الا انها في الداخل تحبذ رحيله.
ما سمعه تشيني في الشرق الاوسط ان ما يحتاجه في الوقت الحالي هو تحرك امريكي حقيقي على المسار الفلسطيني الاسرائيلي وليس العراق، كما جلب تشيني معه شعورا ان المنطقة لا تسير بالطريق الصحيح، اضافة الى انه حمل معه فكرة جديدة ان السلام الدائم لن يتحقق بالشرق الاوسط طالما بقي عرفات رئيسا للفلسطينيين.
**تينت يجتمع سرا مع الاكراد
يشير وودورد الى ان التحضير للحرب من قبل القيادة الوسطي استمر، فبعد لقاء فرانكس مع رامسفيلد وتشيني قام في فيفري بجمع كل القيادات العسكرية حيث اخبرهم عن الخطط التي تقوم بها القيادة بشأن العراق، وقال لهم باسلوبه المعروف الامر جدي، واذا اعتقدتم ان هذا لن يحدث، فانتم مخطئون، عليكم تحريك اقفيتكم .
في مارس التقى جورج تينت سرا مع شخصين مهمين وسيكون لهما دور هام في العمليات السرية التي ستقوم بها وكالته في العراق، هذان الشخصان هما: مسعود البارزاني وجلال الطالباني، اللذان يسيطران على مناطق شمال العراق. وكان مع تينت في لقائه معهما رسالة واحدة: الادارة الامريكية جادة هذه المرة، الجيش والمخابرات قادمون للعراق، الامر يختلف هذه المرة، المخابرات لن تكون وحدها، الرئيس بوش عنى كل كلمة قالها، صدام سيذهب، هذا قرار. يعلق وودورد على ما قاله تينت ان الاخير لم يكن يعرف فيما اذا كان يقول الحقيقة ام لا، ولكن عليه ان يقول هذا حتى يرفع من سقف توقعات الاكراد ويحصل منهم على وعد بالتعاون مع فرقه. وعندما تحدث مع الزعيمين الكرديين كان تينت يعرف انه يجب ان يبيع بضاعته بمقابل، ففي هذه المناطق لا يباع شيء بالمجان. ومن خلال عمله بالمخابرات، عرف من المسؤولين السابقين ان الاستخبارات هي الوجه القذر للعبة السياسية، فالوكالة الوحيدة المسموح لها رشوة الاخرين هي وكالته، فيما يطلب من كافة الوزارات الحصول على موافقة من الكونغرس قبل تقديم اي دعم لجماعة او حزب. والمثير في عرض تينت انه كان يحمل معه هذه المرة حقائب مليئة بالاموال، ولديه عشرات الملايين من الدولارات من ورقة المئة دولار الجديدة. واخبر تينت جورج بوش ان بعض الاموال ستستخدم في عمليات ارضاء وشراء ذمم الاخرين ودفعهم للتأكد من جدية الادارة الامريكية. وكانت رسالة تينت في النهاية للكرديين: انتظروا، الاموال والجيش والمخابرات كلهم قادمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.