بقلم مهدي الزغديدي #كيفما_اليوم في مثل هذا اليوم 27 أوت 1896 قامت الحرب الأنقليزيّة الزنجباريّة، التي استمرّت 40 دقيقة، لتكون أقصر حرب في التاريخ. الزنجبار هي عبارة عن أرخبيل من 52 جزيرة في المحيط الهندي شرق افريقيا. تتبع اداريّا دولة تنزانيا، وتتمتّع بسلطة ذاتيّة واسعة. وزنجبار هي تحريف لاسم برّ الزنج. يعيش فيها حوالي مليون و300 ألف ساكن، في 2,7 كم2، أغلبيّتهم الساحقة من المسلمين. يقوم اقتصادها على زراعة القرنفل والسياحة. دخلها الإسلام منذ القرن الأوّل هجري، بعد أن هرب إليها حاكما عمان سليمان وسعيد ابنا الجلندى، اثر استيلاء الحجّاج بن يوسف على حكمهما، فاستقبلهما عرب الجزيرة، وأصبح العمانيّيون يحكمونها وتحوّل غالبيّة السّكان إلى الإسلام. ثمّ خضعت بمرور الزمن إلى سلطة عمان التي كانت تسيطر على القرن الافريقي (الصومال واريتريا والساحل الكيني). أدّى اكتشافها من طرف المستكشف البرتغالي فاسكو دي غاما سنة 1497 إلى طمع البرتغاليّين فيها. وفعلا قامت البرتغال سنة 1503 باحتلالها، وعاثوا فسادا في السكّان. لكن تمكّن العمانيّيون سنة 1698 من هزم البرتغاليّين واستعادة الزنجبار بالكامل. عرفت أزهى فترات ازدهارها، عندما اختارها سعيد بن سلطان البوسعيد العاصمة الجديدة لسلطنة عمان. فأمر بزراعة القرنفل التي أصبحت عماد اقتصادها اليوم، وطوّر التجارة بفضل الأسطول الكبير الذي كان يمتلكه، والذي يعتبر ثاني أضخم أسطول بحري بالمحيط الهندي، فكانت سفنه تصل في رحلاتها إلى موانئ فرنساوبريطانيا وغيرها للتبادل التجاري. كما بنى القصور والدور والحمامات ولا تزال هذه الآثار شاهدة على ازدهار تلك الفترة إلى اليوم. بعد وفاة السلطان سعيد عام 1856 حصل اختلاف بين أبنائه على وراثة العرش. فتدخل الإنجليز الطامعين في السيطرة على زنجبار في أفريل 1861 فقسموا الدولة إلى سلطنتين، سلطنة عمان في مسقط ويحكمها السلطان ثويني بن سعيد وسلطنة زنجبار ويحكمها السلطان ماجد بن سعيد. في مارس 1893 تولّى حمد بن ثوني حكم زنجبار بدعم من بريطانيا. لكنّه توفّي فجأة في 25 أوت 1896. ويعتقد أن خالد بن برغشة، ابن عمّه ونسيبه هو من سمّمه، فقد استولى هذا الأخير في نفس اليوم على الحكم وأعلن نفسه سلطانا. لكنّ البريطانيّين كانوا يدعمون حمود بن محمّد، فأرسل القنصل البريطاني في نفس اليوم تحذيرا إلى خالد للتنازل على العرش وتسليمه إلى حمود، لكنّ خالدا تجاهله. فأعلنت بريطانيا عدم اعترافها بشرعيّة خالد، وقامت البحريّة البريطانيّة بتحريك خمس سفن في شرق افريقيا نحو زنجبار يوم 26 أوت. وتمّ ارسال انذار نهائي مطالباً السلطان خالد بإنزال العلم وترك القصر عند الساعة 09:00 يوم 27 أوت كحد أقصى، وإلا فإنه سيواجه إطلاق النار عليه. لكنّ خالدا كرّر تجاهلهم وبدأ في الاستعداد لمواجهة القوة العسكريّة الأولى في العالم في ذلك الوقت. كان جيش خالد متكوّن من الجنود والخدم والعبيد الموجودين بالقصر، متسلّحين ببعض البنادق والمدافع القديمة وراء حواجز خشبيّة ومطّاطيّة. عندما وصلت الساعة التاسعة دون تلقّي الأنقليز ردّا من خالد، أعطى الجنرال ليود ماثيوز الإشارة استعدادا لقصف القصر. وفي مثل هذا اليوم 27 أوت 1896 وعلى الساعة 09:02 انطلقت المدفعيّة البحريّة البريطانيّة في قصف القصر. لم يقدر جيش خالد المقاومة أمام قوّة السلاح البريطاني، فأصيب 500 من بين قتيل وجريح. ولم تمض الساعة 09:40 حتى توقّف القصف بعد أن احترق القصر وسقط العلم وفرّ خالد و40 من معاونيه والتجؤوا إلى القنصليّة الألمانيّة التي تكفّلت بحمايتهم، ولم يمض الظهر الّا وقد تمّ تنصيب حمود سلطانا من طرف الأنقليز، لتدخل هذه الحرب كتاب غينيس للأرقام القياسيّة كأقصر حرب في التاريخ البشري (بين 38 و40 دق). كانت نتائج الهزيمة السريعة في هذه الحرب كارثيّة لزنجبار، فقد تحوّلت إلى مستعمرة بريطانيّة، وفقدت سلطتها على أغلب السواحل الافريقيّة. وقد قامت بريطانيا بتدمير ممنهج للثقافة الاسلاميّة الطاغية في البلاد. فقد حوّلت اللغة الرسميّة من العربيّة إلى السواحليّة، كما صارت الأنقليزيّة إحدى أهمّ اللغات في البلاد على حساب العربيّة. وفي سنة 1964 قام عبيد كرومي بانقلاب على الحكم العربي في زنجبار بدعم من الموساد الإسرائيلي (يوسي ميلمان بجريدة هآرتس في مقال له بتاريخ 7 أوت 2009)، وأعلن قيام الجمهوريّة. ثمّ قام بوحدة مع تنجانيقا ليكوّنا دولة تنزانيا. ثمّ تولّى القسّ المسيحي جوليوس نيريري الحكم في تنزانيا لمدّة 21 سنة، رغم أن 90% من الزنجباريّين و60% من التنزانيين مسلميين. فقام بمحاربة الشعائر الاسلاميّة، ونشر الفكر المسيحي، وأجبر المسلمات على الزواج بالنصارى، وقام بمذابح ضد المسلمين بذبحهم واحراقهم وصلت الى أكثر من 60 ألف قتيل مسلم وآلاف المشردين، بدعم صامت من الدول الغربيّة وخاصة بريطانيا. وبقيت النعرات الدينيّة في الجزيرة إلى اليوم بعد أن عاشت مئات السنين في سلام.