أبو مازن لعل القضاء قد حسم أمره في قضية ما عرف بأحداث مدرسة حي البحري بصفاقس فأنزل أحكامه الابتدائية التي جمعت بين السجن مع النفاذ العاجل و السجن أيضا مع تأجيل التنفيذ. ولعل القضاء يمنح فرصة الاستئناف ليدرك كلّ حقّه بعد أن تحرّر القضاء بعد الثورة و أضحى مستقلا لا يخشى اللوبيات ولا يخضع للاملاءات بل يرى ما يرى القانون ويقدّر الأحكام بحذق وتناغم. إنّ ما وقع في محكمة المكنين و غيرها من الحوادث الساطعة في جلسات المحاكم تبقى نبراسا مضيئا للعدل يبعث الطمأنينة في نفوس المتقاضين و يشعرهم بحتمية القصاص و بأهمية العفو والحلم. لكن السؤال المحيّر الذي يتردد على ألسنة الناس وعلى صفحات الفايس بوك يخص أولئك التلاميذ الذين اصطدموا مرات ومرات منذ انطلاق الدروس منذ ما يقلّ عن الشهر كيف تراهم يكملون السنة الدراسية و كيف يتعلمون ويتربون في حاضنتهم الطبيعية والجو مشحون و العيون غارقة بالدموع و الألسنة منطلقة تشتم هذا وذاك. لقد اصطدموا فيما دُعوا اليه من غلق للنوافذ ساعة الأذان ان صحّت تلك الرواية أو حين طولب من البنت الصغيرة أن تكشف حجابها وهي الغير مكلفة بذلك. هل تراها تفهم مقصد لباسه و مقصد خلعه وهل كان الأمران بالوعيد أم بالاقناع. اصطدموا أيضا بأولياء يتهجمون على المدرسة دون موعد او إذن وسواء كان مصاحبا بالعراك أو الشتم أو مجرد الاحتجاج فقد كان على مرأى أولئك الصبية و على مسمعهم فكيف تراهم يربطون بين تربية البيت وتربية المدرسة ؟ لم تقف الحكاية عند مستوى تشنج كثيرا ما نلحظه في مكتب مدير أو أمام المدرسة ولكنّها رحّلت إلى القضاء فكانت الأحكام وسجن الأولياء و المعلمة مع تأجيل التنفيذ. كيف تراها تُستقبل من طرف تلامذتها ؟ هل تراها ما زالت قادرة على القيادة المعنوية لذلك الفصل. حتما ستنطق الحروف والكلمات و لكنها ستذهب كالصدى لترتدّ ولا تدركها آذان التلاميذ و ستكتب على السبورة و لكنّ العيون لن تقدر على قراءتها فالذهن مصدوم بما حدث ولعل الأشهر بل السنين غير قادرة على محو آثار تلك اللخبطة التي حصلت وشاركت فيها جميع الأطراف دون وعي او تقدير لأولئك التلاميذ الذين لم يتجاوزوا العقد الأول من العمر. هنا و مع كامل الأسف لم يكد المعلم أن يكون رسولا و لا مصلحا بل لم يكد أن يكون مربيّا ولا مدرّسا. فالتلميذ المتلقّي لا يبحث عن حفظ المعلومة فقط بل هو يراها كما يراها سيّده أو أنيسته فيتقبّلها ثابتة لا تقبل التبديل وتستقر في ذهنه بكامل الاقتناع سنين وسنين حتى يحدّث بها أبناءه إذا كبروا. كذلك نحت معلمو الرعيل الأول والثاني والثالث بعد الاستقلال حب العلم وتقديس الدرس حتى كاد المعلم أن يتفوق في الحب عن الأب و كادت المعلمة أن تكون أمّا دون ولادة ولا رضاعة. كانوا ينجزون برنامجا واضح المعالم لا تخلطه الشوائب و النعرات الايديولوجية وهم المؤتمنون على تلك الأجيال يرون فيهم أمل و طموح البلد رأي العين و يحفظون النشء لمستقبل مشرق. أمّا اليوم فممارسات بعض الأولياء و بعض المدرّسين تنبئ بالخطر وتشعل ناقوس الخطر لإنقاذ ناشئة تعلّمت العراك و الشتم والسباب والحيلة والمكيدة من المدرسة و تعلمت التدخين والمخدرات و الكحول حذو أسوارها الخارجية. رحم الله شوقي لما قاله في المعلم و لكنّني.. تراني لا أجد لمعلّم اليوم توصيفا. فماذا تراه يكون لو كان كمثل ما جرى في حادثة مدرسة حي البحري؟