طارق عمراني كما كان متوقعا كان لتسونامي نتائج إنتخابات مقعد المانيا عظيم التأثير في المشهد السياسي التونسي علی الأقل علی مستوی الردود الأولية فالزلزال الذي كان مركزه مدينة بون الألمانية بلغت إرتداداته وبشكل عنيف ضاحية تونس الشمالية و بالتحديد في احدی بنايات البحيرة أين إحتاجت القيادات الندائية ل24 ساعة حتی يتمكنوا من الإستفاقة من هول الصدمة واستجماع قواهم لصياغة بيان أزمة هزيل و متشنّج يعترف بالنتائج و يندّد بضعف الإقبال علی الإقتراع الذي تسبّب حسب تعبير البيان في صعود "المتطرفين و الفوضويين" الناتج عن هرسلة نداء تونس "صمّام الأمان المجتمعي" و"ضامن إستقرار الدولة المدنية والحداثة" و هنا يعاتب البيان الشقوق و التفرّعات ليدعو في النقطة الخامسة ما أسماهم "مختلف الشخصيات الوطنية و الديمقراطية " للإلتحاق بالحزب ل"خوض الإستحقاق الإنتخابي البلدي و الإنطلاق في مسار الإصلاح الهيكلي داخله " ،ليصل البيان إلی خلاصته وبيت قصيده في نقطته السادسة التي إنطلقت بخطأ لغوي برسم كلمة "بناء" بشكل خاطئ "بناءا"، يؤكد حالة الإرباك التي يعيشها الحزب حيث أعلن عن "اعتزام نداء التونس القيام بمراجعات ضرورية و شجاعة مع بعض الأطراف السياسية" و "تفويض هياكلها التي تجتمع بتاريخ 23 و 24 ديسمبر لإتخاذ القرارات المناسبة في الغرض". هذا البيان يؤكد و بشكل قطعي نهاية التوافق بشكله الحالي و هو توجه شق كبير داخل البحيرة إستغل هذه الكارثة لتطبيق مبدإ "عقيدة الصدمة" نتيجة إنتخابات مقعد ألمانيا و العلاج بالصدمة في كتاب "عقيدة الصدمة" تعرّف الكاتبة الكندية نعومي كلاين " العلاج بالصدمة" ب" إستغلال جهات معينة لكارثة سواء كانت طبيعية أو سياسية أو إقتصادية لتمرير سياسات تكون مرفوضة في الحالة الطبيعية " و لعلّ هذا التعريف لعقيدة الصدمة ينطبق بشكل كبير علی بيان الأزمة الذي أصدره نداء تونس بعد كارثة نتائج مقعد ألمانيا والتي صدمت كل قيادات البحيرة وهو ما استغله الشق الرافض للتوافق مع حركة النهضة لفك الإرتباط وهو قرار مؤلم لا يمكن توقع نتائجه و تأثيراته و إنعكاساته ، فبدعة مقعد ألمانيا لم تكن عفوية و تطرح نظرية المؤامرة بشكل كبير خاصة بعد تراخي القيادات الندائية وخاصة قيادي المهجر عبد الرؤوف الخماسي ورجل الأعمال الناجح في ألمانيا المعروف بشبكة علاقاته الذي عجز بشكل مريب عن تجنيد 300 صوت لترجيح كفّة مرشّح النداء ورغم أن الخماسي من اكثر المتحمسين للتوافق فإن تراخيه قد يصبّ في خانة تكسير العظام و تصفية الحسابات مع قيادات ندائية أخری ،وهذا ما ينضاف إلی التهميش الإعلامي الندائي المتعمّد لحملة مرشحه الإنتخابي في دائرة ألمانيا . منذ الساعة الثامنة مساء ليوم 18 ديسمبر 2017 تاريخ صدور بيان الأزمة الندائي علی خلفية خسارة مقعد ألمانيا بدأ الحديث رسميا عن مرحلة "ما بعد التوافق" والتي يصعب التنبؤ بتطوراتها فالخيارات السياسية محدودة في مشهد سياسي هشّ وأطلس برلماني مفتّت في أرخبيل حزبي لا يمكن أن يفرز تحالفا بديلا للتوافق اقرأ أيضا: مقعد ألمانيا...''البدعة الندائية'': 4 أسئلة تشرح لك سيناريوات ما بعد التوافق التوافق في تونس ليس خيارا بل إملاء دوليا من الجهات المانحة و اللاعبين الدوليين الكبار الذين يراهنون علی نجاح النموذج التونسي فدول شمال المتوسط و ان كانت لا تحبذ النموذج الحزبي الإسلامي فإنها مرغمة علی التعامل معه بسياسة الأمر الواقع فأي إلتفاف علی الثورة التونسية و العودة بها إلی مربّع الديكتاتورية قد يؤدي إلی الفوضی والإنفلات التي ستكون غير محمودة العواقب لدول دول أوروبية تعاني الأمرّين من جحافل قوارب المهاجرين غير الشرعيين القادمة من سواحل ليبيا و سقوط تونس يعني بلوغ الفوضی إلی الحدود الجزائرية وهو أمر ترفضه كل القوی الإقليمية و أغلبية الحساسيات السياسية الداخلية كما أن فكرة التوافق تبلورت في صيف 2013 (قبل سنة من الإنتخابات التشريعية) خلال لقاء البريستول المعروف إعلاميا بلقاء الشيخين، وبالتالي فالسيناريوات ستكون محصورة في فرضيتين: البلوكاج السياسي : أو البلوكاج الحكومي و يعني سقوط الحكومة الحالية و تكليف نداء تونس بتشكيل حكومة جديدة بإعتباره الحزب الأغلبي الفائز بإنتخابات اكتوبر 2014 و عرض التشكيلة الحكومية علی التصويت البرلماني وحتی في صورة المصادقة عليها فلن يكون ذلك بحزام سياسي قوي يضمن تمرير القوانين خاصة أن بعضها يحتاج إلی اغلبية مريحة يمكن لكتلة النهضة تعطيلها بثلثها المعطّل و هنا لا يمكن لتونس أن تعيد السيناريو المغربي الذي تمكن من تجاوز بلوكاجه الحكومي السنة الفارطة بتحكيم "ملكي" وإستقالة عبد الإله بنكيران من حزب العدالة والتنمية وتكليف سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة وفي هذه الحالة وبإفتقاد تونس إلی سلطة "بابوية" سيتم التوجّه إلی انتخابات برلمانية مبكّرة و هي فرضية و ان كانت واردة فإنها ضعيفة مقارنة بفرضية "التعايش التعايش بين النهضة و النداء: بالدعم المشترك للحكومة الحالية أو إقتراح حكومة تكنوقراط حتی موعد الإنتخابات التشريعية القادمة و التخفيض في التوافق إلی أدنی مستوياته بدل صيغته الإستراتيجية التي كانت مطروحة بمعنی توافق في الكواليس لا يظهر للعموم بالمصادقة علی القوانين والتشريعات وبالتالي عودة الإستقطاب الثنائي و حملات التشويه الإعلامية بين الحزبين وعودة "الشو" إلی مجلس نواب بالشعب بتبادل الإتهامات والضرب تحت الحزام لإسترجاع القواعد الشعبية فالإنتخابات البلدية علی الأبواب.