عميد المحامين يؤكد الانضمام إلى كل جهود إلغاء المرسوم عدد 54    الأساتذة النواب يحتجون: ''تغيير المقاييس خرق للقانون وتهديد لحقوقنا''    عاجل : مستجدات بطاقة التعريف البيومترية للتونسيين    هذا هو موعد انتهاء أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة    صادرات القطاع الصناعي ترتفع ب1,9% خلال النصف الأوّل من 2025    قتيلان إسرائيليان بعملية إطلاق نار على معبر "الكرامة" بين الأردن والأراضي المحتلة    عاجل/ رجل يعتدي على طليقته بسكين في شارع أمام المارة..    موسم الحبوب..البنك الوطني الفلاحي يرفع من قيمة التمويلات    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة السابعة ذهابا    بطولة العالم لألعاب القوى: البرتغالي إسحاق نادر يحقق فوزا مفاجئا بالميدالية الذهبية لسباق 1500م    الرابطة الأولى: قطيعة بالتراضي بين الإتحاد المنستيري والنيجيري فيكتور موسى    إنتقالات: المهاجم الجديد للترجي الرياضي يحط الرحال في تونس    حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك قرب إحدى المؤسسات التربوية..    قصر النظر عند الأطفال: الدكتور فهمي نافع يحذر ويقدم نصائح مع العودة المدرسية    عاجل : وزير النقل يضع مهلة ب15يوما لضبط روزنامة برامج عمل    الحماية المدنية: 537 تدخلا منها 124 لاطفاء الحرائق خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    كرة السلة - شبيبة القيروان تتعاقد مع النيجيري فرانسيس ازوليبي    عاجل/ تفاصيل جديدة عن حادثة وفاة امرأة اضرمت النار في جسدها بأحد المعاهد..    الغنوشي: '' البشائر تتأكد شيئا فشيئا خصوصاً بالشمال والوسط الأسبوع القادم.. وكان كتب جاي بارشا خير''    قبلي: انطلاق التحضيرات الاولية لانجاز مشروع الزراعات الجيوحرارية بمنطقة الشارب    اجتماع بمعهد باستور حول تعزيز جودة وموثوقية مختبرات التشخيص البيولوجي    آلام المفاصل عند الأطفال مع العودة المدرسية: أسباب وطرق الوقاية    المدعي العام الإسباني يأمر بالتحقيق في الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال في غزة    سفينة "ياسر جرادي/يامان تدخل ميناء "بيرغو" في مالطا لهذه الأسباب "    مونديال الكرة الطائرة - المنتخب التونسي يفوز على نظيره المصري بثلاثة اشواط نظيفة ويصعد الى الدور ثمن النهائي    الملعب التونسي يفسخ عقد هذا اللاعب..#خبر_عاجل    رابطة ابطال اوروبا : ثنائية كين تقود بايرن للفوز 3-1 على تشيلسي    السجل الوطني للمؤسسات يعلن حزمة إجراءات رقمية جديدة: دفع حصري عن بُعد ومضمون إلكتروني مُحدَّث    هام/ وزير التجهيز يشرف على جلسة عمل لمتابعة اجراءات توفير مساكن اجتماعية في إطار آلية الكراء الممللك..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ تقلبات جوية وأمطار بداية من هذا التاريخ..    الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل    عاجل: بذور جديدة وتطبيقات ذكية لمواجهة الجفاف في تونس    عاجل/ غرق 61 مهاجرا غير شرعي اثر غرق قارب "حرقة" قبالة هذه السواحل..    عاجل/ مجلس الأمن الدولي يصوّت على مشروع قرار جديد بشأن غزة..    وفاة الإعلامية اللبنانية يمنى شري بعد صراع مع المرض    في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟    أول سيناتور أمريكي يسمي ما تفعله إسرائيل في غزة "إبادة جماعية"    بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة    التنسيق الثنائي في عديد المسائل ،والتوافق حول أغلب القضايا الإقليمية والدولية ابرز محاور لقاء وزير الدفاع بولي عهد الكويت    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    اللجنة الوطنية للحج تستعدّ لموسم 1447ه: ترتيبات متكاملة لضمان أفضل الظروف للحجيج    فرنسا على صفيح ساخن: مليون عامل إلى الشارع لمواجهة سياسات ماكرون    "وول ستريت جورنال": ترامب غير راض عن تصرفات نتنياهو ويعتبر أنه "يسخر منه"    تونس ضيفة شرف مهرجان بغداد السينمائي...تكريم نجيب عيّاد و8 أفلام في البرمجة    تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع    من قلب القاهرة... عبد الحليم حافظ يستقبل جمهوره بعد الرحيل    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    جريدة الزمن التونسي    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    جريدة الزمن التونسي    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داء ''التضخّم'' العضال.. ومراهم البنك المركزي ''الجلدية''
نشر في باب نات يوم 09 - 03 - 2018


بقلم: شكري بن عيسى (*)
لم يعد المواطن البسيط في حاجة لفهم "التضخّم"، وبقيّة المصطلحات الاقتصادية الأخرى المعقّدة، للوقوف على حدّة الأزمة الاقتصادية الخطيرة بالبلاد، انتظار نشريات المعهد الوطني للاحصاء وبقية الأرقام الأخرى العديدة، فقفة العائلة صارت أبلغ من ألف خبير اقتصادي، وهي أيضا أبلغ من عشرات النظريات الاقتصادية، فيكفي معرفة أنّ القفة التي كان يملأها المواطن من قضية الغلال والخضار بمبلغ 20 دينار، لم يعد هذا المبلغ يملأ سوى نصفها أو أقل، ويكفي أنّ السيارة الشعبية التي كانت ب12 الف دينار صارت اليوم في حدود 30 الف دينار، وهذا أبلغ معنى للتضخم الذي تصبح معه العملة دون قيمة، وتفقد قدرتها الشرائية التي تدهورت بشكل حادّ.
التضخّم قديما أو حديثا يعدّ من أبرز مظاهر الأزمات الاقتصادية، فهو السّوسة التي تنخر الاقتصاد وتعطّل كل مفاعيل الديناميكية الاقتصادية، أمّا أن يقترن الأمر زيادة بارتفاع البطالة وتعمّق العجز التجاري وركود النمو، فهذا يبرز أنّ الوضع الاقتصادي في حالة انهيار حقيقي، لا يمكن التغطية عليه ببعض التصريحات السياسية لرئيس الحكومة هنا، أو الاجراءات الترقيعية التضليلية من محافظ البنك المركزي هناك، فكلّها لذرّ الرماد على العيون لا غير، والأصل اليوم الاقرار بالاخفاق وتحمّل المسؤولية، والانطلاق في سياسات ظرفية وأخرى هيكلية فورية، والاّ فالامور ستؤول الى الغرق القريب.
أسباب التضخّم الحقيقية
اليوم التضخّم الذي يدمّر القدرة الشرائية للمواطن، ويرتفع بشكل رهيب السنتين الاخيرتين، ليس مجرّد أرقام معزولة دون معنى، بل هو انعكاس للسياسات الاقتصادية والمالية التي انتهجتها الدولة منذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، هذه السياسات التي فرضت استقلالية البنك المركزي عبر قانون سنة 2016، وتخليه عن وظيفته الأساسية السابقة بالدفاع على قيمة العملة الوطنية والحرص على استقرارها التي كان ينص عليها قانون سنة 1988 المُلغى، ورسالة النوايا التي امضاها المحافظ السابق الشاذلي العياري ووزير المالية الاسبق سليم شاكر في ماي 2016، كما الاتفاق مع صندوق "بريتن وود" لاسناد قرض 2,9 مليار دولار، يتضمّن التزاما واضحا بتعويم الدينار.
والتعويم الوحشي لعملتنا الوطنية تدهورت معه قيمة الدينار بشكل فظيع، وانهارت قدرته الشرائية في ظل اقتصاد مرتبط بشكل جوهري بالعالم، واليوم كل الأرقام تنهار من صدمة تدهور الدينار أمام العملات الاجنبية، فعجز الميزان التجاري تدهور بما يقارب 3 مليار دينار سنة 2017، منتقلا من قرابة 12,600 مليار دينار سنة 2016 الى 15,590 سنة 2017، أمّا العجز الجاري فوصل الى رقم قياسي تاريخي بنسبة برقمين فاقت 10% من الناتج الداخلي الخام، بقيمة وصلت 10,1 مليار دينار، وتدهورت معه مدخرات العملة الصعبة الى حد مفزع وصل يوم 7 مارس الجاري 77 يوم استيراد.
التعويم الوحشي للدينار نتج عنه بصفة جوهرية تضخّم "مستورد"، باعتبار ارتباط الاقتصاد بالخارج، عبر استيراد المواد الاستهلاكية، وعبر استيراد المواد الطاقية، ولكن أيضا عبر استيراد التجهيزات والمواد الأولية وقطاع الغيار، والمسألة اليوم صارت دوامة متواصلة لا يمكن ايقافها، والضغوط التضخمية تزداد وتحتد، خاصة في ظل وضعيات ظرفية تفتقد للرقابة، مع تصاعد الاحتكار والغش والظرف الفلاحي غير المناسب، وفي ظل زيادات مباشرة في قانون المالية في أسعار المحروقات والطاقة، وفي عديد الضرائب، مع استمرار الرفع في الدعم على عدة نشاطات.
معالجة رعوانية.. تسريع الانهيار
ومعالجة جذور هذا التضخّم المثير للدوار، لا يمكن بحال أن يكون بمجرد اجراءات تضليلية، فالتضخم ليس الا أعراض لسرطان خطير، لا يعالج بمراهم جلدية خارجية، بل وجب النفاذ لعمقه واستئصاله، واليوم رفع البنك المركزي من نسبة الفائدة المديرية ب75 نقطة ، من 5% الى 5,75%، المبتغى منه حسب ما هو معلن التحكّم في التضخّم، لا يمكن انتظار أيّ جدوى منه فضلا عن انعكاساته السلبية، في الوقت الذي يطمس حقيقة وجذور الأزمة العميقة.
فاليوم البنك المركزي تمّ حرمانه من اليات التدخل للحفاظ على استقرار الدينار، والقاء مسؤولية الحفاظ على استقرار الدينار عبر رفع نسب الفائدة، وهو أمر اذ لم ينجح سابقا مع المحافظ السابق، الذي رفع الفائدة المديرية من 3,75% سنة 2013 الى 5% سنة 2017 ، ولم يحقق شيئا يذكر بل أن الاتجاه التضخمي ظل تصاعديا (6,4% في ديسمبر 2017 الى 6,9% في جانفي 2018 وصولا الى 7,1% في فيفري 2018)، فهذا القرار لن يحقق المرجو الان، اذ رفع كلفة الاقتراض في تونس لا يقلص الاقتراض خاصة الاستهلاكي، فالتونسي مع حاجته للاستهلاك الاني او الاستثماري لا يتأثر بسعر الفائدة مهما ارتفع.
والمسألة ليست آلية بحال، والترابط بين الاستهلاك وسعر الفائدة تقريبا مفقود، كما أنّ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية سلبية في عمومها، اذ الرفع بنقطة أو نصف نقطة في الفائدة لن يحقق زيادة في الادخار، مع تأثيره العكسي على الاستثمار الذي سترتفع كلفته في ظل وضع اقتصادي دقيق وحساس، ما سيرفع نسبة البطالة، كما أنّ الاستهلاك المرتبط بارتفاع سعر الفائدة سيثقل كاهل الفئات محدودة الدخل والمتوسطة ايضا، سواء من خلال ازدياد كلفة قروض الاستهلاك الاني او قروض السكن والتجهيزات، وهو ما سيزيد في مراكمة عناصر الاحتقان الاجتماعي، ويعقّد العلاقة بين اتحاد الشغل والحكومة، خاصة بعد الضغوط المتصاعدة التي صارت تواجهها المنظمة النقابية حتى من داخل قواعدها.
والحقيقة ان تغطية الشمس بالغربال، برفع الفائدة المديرية من قبل العباسي، كمن يعالج مرضا عضالا بمراهم جلدية، لا تزيد سوى بمنح المجال لاستفحال الداء، وتخدير المعني بمجرد عقارات لا تحقق حتى التسكين الوقتي للاوجاع، والامر لا يعدو ان يكون سوى مجرد فرقعة لا طائل منها، اذ انكشفت حتى قبل اطلاقها، فالمحافظ الجديد المنخرط في ايديولوجيا الصناديق الدولية الليبرالية، يقف عاجزا على فعل اي شيء امام التدهور القائم، لكنه مُطالب او بالاحرى مدفوع للعب لعبة "الفائدة المديرية"، في انتظار "الكاوو" الاقتصادي الذي يخطط له صندوق النقد الدولي، من أجل استباحة كاملة لاقتصادنا، ابتداء من اجراءات التقشف الى خوصصة الشركات العمومية وصولا لتجميد الاجور وجرايات التقاعد وتسريح الموظفين، وغيرها من اليات الليبرالية التي لا تؤمن الا بالدولة المستقيلة اقتصاديا.
(*) قانوني وناشط حقوقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.