مازال الوضع المالي والاقتصادي في تونس متفاقما في ظلّ ما يعيشه الدينار التونسي من تغيرات و انخفاض مستمر في قيمته، و خاصة بعد أن كشفت البيانات الرسمية للبنك المركزي أن مخزونه من العملة الصعبة في تراجع مستمرّ ، فضلا عن اتساع هوة العجز التجاري و ارتفاع نسبة التضخم مما أصاب الاقتصاد في مقتل.. وتتعرض تونس لضغوط من صندوق النقد الدولي لتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وإنقاذ اقتصادها المتعثر. وفي خطوة لتقليص التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى منذ عام 1990. ، رفع البنك المركزي التونسي سعر الفائدة الرئيسي إلى 6.75% من 5.75%، في ثاني زيادة خلال 3 أشهر. وفي خضم هذا الشأن، عبّر الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان عن رفضه لقرار مجلس إدارة البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة لتصبح 6,75% للحدّ من نزيف التضخّم الذي بلغ 7,7% في موفّى شهر ماي الماضي. واعتبر أنّ هذه السياسات المتّخذة على حساب الطبقة الضعيفة والمتوسطة، داعيا الحكومة إلى العمل على مقاومة التهرّب الضريبي والتهريب والاقتصاد الموازي ومراقبة مسالك التوزيع ومزيد التنسيق مع البنك المركزي لإرساء سياسات جبائية ونقدية تمكّن من دفع الاستثمار والنموّ وخلق مواطن الشغل. وذكّر الاتحاد العام التونسي للشغل أنّ مصادر التضخّم في تونس ليست نقدية فحسب، بل هي مرتبطة أساسا بالممارسات الاحتكارية والانزلاق المتسارع للدينار إضافة إلى الأثر التضخّمي لبعض الإجراءات الجبائية المدرجة في قانون المالية لسنة 2018 والتي أدّت إلى ارتفاع الضغط الجبائي. وشدّد الاتحاد على أنّ البنك المركزي التجأ إلى الحلّ السهل والمتمثّل في الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة أمام عجز الحكومة وغياب الإرادة لمقاومة الاقتصاد الموازي والتهريب وأخذ الإجراءات اللازمة للحدّ من عجز الميزان التجاري وترشيد التوريد. وأوضح إنّ مثل هذا الإجراء لما له من انعكاسات سلبية على الاستثمار والنمو، من شأنه أن يعمّق الأزمة الاقتصادية الحالية ويزيد من تدهور المقدرة الشرائية للأجراء المهترئة أصلا. وفي تعليقه على ذلك، اعتبر الخبير الاقتصادي والمالي عز الدين سعيدان في تصريح إعلامي الاثنين 18 جوان 2018 أنّ قرار مجلس إدارة البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ب1.75 نقطة خلال شهرين تقريبا "كبير جدا". وأكّد أنّ 3 أسباب دفعت البنك المركزي إلى اتخاذ هذا القرار على هذا النحو المشط وفق تقديره، تتمثل في محاولة الحكومة مقاومة التضخم المالي الذي بلغ 7.7% . أمّا السبب الثاني فيتمثل في محاولة ترميم وضع الادخار في تونس الذي تراجع مستواه من 22% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2010 إلى أقلّ من 8% حاليا، إلى جانب محاولة إرضاء صندوق النقد الدولي. وكان البنك المركزي قد نشر مؤخرا بيانا أفاد فيه بأن القرار اتخذ بعد استعراض آخر المعطيات حول الظرف الاقتصادي وتداول حول سير أهم المؤشرات الاقتصادية والنقدية والمالية، ووضع المعاملات في السوق النقدية وسوق الصرف. وأبدى البنك المركزي انشغالاً باستمرار الضغوط التضخمية، إذ استقرت نسبة التضخم في مستوى مرتفع للشهر الثاني على التوالي، لتبلغ زيادة مؤشر الأسعار عند الاستهلاك الشهر الماضي 7.7% على أساس سنوي، مرجحا أن تواصل هذه الضغوط نسقها التصاعدي خلال الفترة المقبلة، نظراً إلى التطورات المنتظرة لجملة من المؤشرات الظرفية الاستباقية، وبخاصة الارتفاع المتوقع للأسعار العالمية للمواد الأساسية، لا سيما الطاقة. واعتبر البنك المركزي أن استمرار الضغوط التضخمية يشكل خطراً على الانتعاش الذي يشهده الاقتصاد، وعلى المقدرة الشرائية للمواطنين، ويستدعي بالتالي اتخاذ إجراءات استباقية ملائمة للحد من آثاره السلبية وذلك بتعديل السياسة النقدية بالاعتماد على نسبة الفائدة. وألمح المركزي في بيانه إلى مناقشة جملة من الإجراءات الهادفة إلى ترشيد القروض الممنوحة للأنشطة غير المنتجة من ناحية، فضلاً عن دعم تدخله في السوق النقدية بتطوير آليات إعادة التمويل وتوجيهها بأكثر فاعلية لمساندة الاستثمار وقطاعات الإنتاج من ناحية أخرى. كذلك أعلن البنك المركزي فتح نافذة جديدة لإعادة التمويل لفائدة البنوك، في إطار آليات طلب العروض المعمول بها حالياً، بمنح تسهيلات لأجل 6 أشهر، تخصص لإعادة تمويل قروض الاستثمار في المشاريع الجديدة. ويعاني الاقتصاد التونسي من الضغوط التضخمية وتراجع قيمة الدينار، فضلاً عن نزول احتياطي العملة الصعبة إلى مستويات قياسية. ويأتي قرار البنك المركزي برفع نسبة الفائدة للمرة الثانية في غضون 3 أشهر، بعد استحسان مجلس إدارة صندوق النقد الدولي قرار البنك المركزي بالترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية (5.75%)، معتبراً أن تشديداً جديداً في السياسة النقدية سيكون ضرورياً للحد من التضخم. جدير بالذكر ان البنك المركزي كان قد رفع في شهر مارس في سعر الفائدة إلى 5.75 في المائة، من خمسة في المائة، في قرار قال محافظ البنك مروان العباسي، إنه اتخذ بسبب المخاوف من خروج التضخم عن السيطرة. واستقرت نسبة التضخم في ماي الماضي عند حاجز 7.7 بالمئة، وهي النسبة نفسها التي تم تسجيلها في الشهر السابق، وفق ما أظهرته البيانات الرسمية. وفسّر صندوق النقد الدولي الارتفاع في نسبة التضخم بالانخفاض الذي تشهده قيمة الدينار، التي تراجعت بنحو 10 بالمئة العام الماضي، بالإضافة إلى الزيادات الحادة في أجور القطاعين العام والخاص. ويعتقد الصندوق أن توقعات النمو مرتبطة أساسا باستمرار الإصلاحات الرامية إلى تحسين الحوكمة ومناخ الأعمال. وبلغ معدل النمو في الربع الأول من هذا العام 2.5 بالمئة وهي المرة الأولى التي يصل إليها منذ 2015.