السيد رئيس الحكومة، تحية واحتراما تتابعون بكل تأكيد السّجال الّذي يدور بيني وبين عضو حكومتكم مبروك كرشيد على خلفية تحميل المسؤوليات حول مآلات النزاع التحكيمي الدائر بين الدولة التونسية وشركة ABCI والمنشور أمام مركز التحكيم الدولي لفض نزاعات الاستثمار CIRDI. أريد في البدء شكركم على حيادكم وعدم انسياقكم وراء مغالطات العضو المذكور وأراجيفه التي كشفتُ مؤخرا للرأي العام (في إذاعتي موزاييك وأوليس وعلى تلفزيون التاسعة) دوافعها النّفسية وخلفياتها التاريخية وأهدافها الانتقامية وبينتُ بالحجة والدليل أن هذا الشخص لا يحمل همّ الدفاع عن مصالح الدولة بل إنه لا يفكر إلا في مستقبله السياسي وهو في سبيل ذلك لم يتوان عن توظيف مصالح الوزارة وملفاتها. وقد فوجئت صدقا بموقفكم الشّجاع لما أعلنتم تحت قبة البرلمان بأن أكبر قضية فساد في تونس هي تلك المليارات الضخمة من الديون المحترقة للبنك الفرنسي-التونسي BFT وليست القضية التحكيمية الدولية التي أفضت إلى القرار الصادر عن ال CIRDI يوم 17 جويلية 2017 بتحميل الدولة التونسية المسؤولية القانونية والتي ابتغى كرشيد توظيفها ضدي بغباء وحقد منقطعي النظير ! وفِي هذا الإطار ارتأيت نصحكم (علناً بغاية الإشهاد) بضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحفاظ على مصالح بلادنا العليا ويتمثل ذلك في أمرين اثنين عاجلين : 1- ضرورة تركيز دفاع الدولة التونسية، في هذه المرحلة التحكيمية المتعلقة بالتعويضات، على الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الخصم أي شركة ABCI وصاحبها المدعو عبد المجيد بودن منذ اندلاع النزاع سنة 1984 ثم في مختلف مراحله وذلك من أجل إقناع الهيئة التحكيمية الدولية CIRDI بعدم منح أي تعويض للشركة المذكورة رغم إقرار مبدأ المسؤولية على الدولة التونسية. ولعلمكم فإن في فقه قضاء الCIRDI سابقة حديثة توفر لهذه الاستراتيجية الدفاعية حظوظا كبيرة من الفعالية والنجاح. ففي نزاع تحكيمي بين دولة تنزانيا وشركة Biwatter Guff البريطانية رفض الCIRDI في قراره بتاريخ 24 جويلية 2008 منح أي تعويضات لهذه الأخيرة رغم إقراره لمبدأ مسؤولية الدولة (التنزانية) في إنهاء العلاقة التعاقديّة وتعليق الاستثمار بسبب التجاوزات والخروقات التي قامت بها الشركة. 2- ضرورة إقالة عضو حكومتكم كرشيد وإخطار الهيئة التحكيمية الدولية به وذلك بسبب خرقه الثابت بالدليل المادي القاطع لتوصيتها الواردة بالفقرة 421 من قرارها الصادر بتاريخ 17 جويلية 2017 والقاضية بمنع الخوض الإعلامي، تصريحا أو تلميحا، في موضوع النزاع حيث قام بتصريح صحفي مطول في جريدة لابراس (وبالفرنسية التي هي لغة الCIRDI) بتاريخ 23 جويلية 2017 وأعاد نشره في صفحة فايسبوك الرسمية لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية مع العلم بأن هذه التوصية جاءت بطلب من الدولة التونسية نفسها ! وعليه، فإنني أحذركم من مغبة عدم اتخاذ قرار الإعفاء والإعتذار العاجل لدى الCIRDI عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه كرشيد للتخفيف من مسؤولية الدولة والموجب للتعويض بسبب هذا الخرق بالتحديد. إن عدم اتخاذ قرار الإعفاء أو التباطىء فيه يعني قانونا تبنيكم له وتواطؤكم معه (بصفتكم رئيسه في العمل) مما يؤدي إلى مسؤوليتكم المباشرة لا من الناحية السياسية فحسب ولكن أساسا من الناحية الجزائية باعتباره عملا مضرا بالإدارة على معنى الفصل 96 من المجلة الجزائية. ولن أعذركم كما لن يعذركم شعبنا ولا القضاء العادل (عبر تحريك الدعوى العمومية قريبا) في حال عدم الاتخاذ العاجل لهذه الاجراءات والتدابير الاحتياطية اللازمة. لن نعذركم رغم علمنا الأكيد بأنكم لستم صاحب القرار الأصلي في موضوع تعيين كرشيد بالذات أو إعفائه ولكن هذا أيضا خياركم الذي تتحملون فيه كامل المسؤولية. ختاما، يبدو لنا أن أيام حكومتكم معدودات أطال الله أنفاسكم فاقرؤوا لما بعدها ألف حساب واذكروا أنكم ستستهدفون ممن سيأتي بعدكم ولو كانوا أولي قربى فلا تستمعوا اليوم إلا لنداء الواجب ! اللهم إني قد بلغت فاشهد. والسلام، سليم بن حميدان نائب بالمجلس الوطني التأسيسي وزير سابق لأملاك الدولة والشؤون العقارية محام حاليا لدى المحاكم الفرنسية