أبو مازن كأنّ هذه الأرض المباركة أرض الزيتونة المباركة والقيروان التي أنتجت ابن رشيق وابن خلدون و ابن الجزار و سحنون وخير الدين و غيرهم كثير ممن تركوا الأثر الطيب والعلم النافع، باتت حكرا على النقيضين أو المرادفين : ميوعة و بلطجة. بالأمس ميدو الراقص الملتوي و اليوم شورّب بوسعادة و "شقف مكسر". لا ينكر أحدا أنّ الإجرام والشغب و الشذوذ مظاهر موجودة في واقعنا وفي كل واقع اذ تذهب أحيانا طبيعة البشر لمثل هذه السلوكيات ولكنّها لا تتجاوز نسبا ضعيفة بل تبقى حبيسة الذاكرة الشعبية كأمر منهي عنه يأتيه التائه والضائع والمريض النفسي و الجاهل و قليل الدراية. هي اذن مظلمة للتاريخ التونسي ولهذا البلد الضارب في القدم حضاريا اذ يعيش قيم الاعتدال و المدنية منذ عصور سحيقة فكيف يصبح الاجرام و العربدة طريقا سويا يسلكه أغلب الناس. هي أيضا تأصيل لواقع الأنهج المظلمة و لتسكع الليل التي لا يخلو منها مجتمع مدني فينتقل هذا التأصيل من الخاص الى العام ويدركه الصغير والكبير على حد السواء وتدركه أيضا الناشئة التي عصفت بها تكنولوجيا المعلومة فاستغلتها في تفتيت شخصيتها والانصراف عن بناء مستقبل مشرق لها ولبلد يتخبط في نسب بطالة عالية و تشغيلية عرجاء. ميدو الراقص وعمّار رجل الأمن الذكي يتقمص في رمضان هذه السنة دور المشاغب و نزيل السجون شورب فأي ارتباط لمثل هذا المسلسل وهذا الدور بشهر الصيام. أ لا يعتبر مثل هذا الأمر نسجا على منوال أولاد مفيدة. هو اذن تنافس بين الرداءة والبذاءة والغاية واحدة جلب الناس لمزيد من سوء الخلق وفساد المعاملات. لعلّ العبدلي الذي كثيرا ما بيّن استهجانه لمسلسلات البذاءة الغارقة في التفسخ و افساد الناس، قد سقط هذه المرة في نفس المطبّ فقدّم واقعا ذا محدودية في زمن ولّى و مضى ثم عمد الى نشره عبر وسائل الاتصال التي تعددت وتكاثرت وأصبحت موجّهة لأجيال بأسرها. انّ ما عمد اليه شورب وغيره من "فتوات" في ذلك العهد كان نتيجة حتمية لضيق الحال و ضعف نسبة التمدرس ولكن اتيان مثل هذا الفعل اليوم عبر نشره عن طريق الوسائط المتعددة و القنوات التلفزية يعتدّ تأصيلا للاجرام والشغب في بلادنا. حينها يجد من أغلق الطريق أو استعمل الرصيف عنوة أو اقتلع كراسي الملعب و كسر أبوابه أو تحرش بامرأة مارة في الشارع أو من وقع ضحية جنحة أو مخالفة قانونية أو غيرهم و أراد التوبة النصوح، أدبيات منشورة و أعما ل تلفزية مرغوبة تبيّن له طريق الاجرام والشغب فتهوّن من مصاعبه و تيسّر اتباع دربه ثم تعمد للواعز الخلقي والقيمي فتبعثره ثم تنثره في الهواء فيتحلل المتفرج لا سيّما الناشئة مما تبقى من قيم أتي رمضان خصّيصا ليحافظ عنها عبر الصيام والقيام.