بقلم: شكري بن عيسى (*) المرارة كانت بالفعل عميقة لفشل المغرب الشقيقة في الفوز بتنظيم نهائيات كأس العالم 2026 لكرة القدم، بل كانت في طعم العلقم، والاخوة المغاربة ما أحبطهم بشكل كبير هو تصويت عدد من الدول العربية ضدهم وعلى رأسها السعودية والامارات، حيث اعتبرها البعض "خيانة" موصوفة في حين اعتبرها اخرون "طعنة في الظهر"، ولكن الحقيقة هذا الاخفاق المغربي بقدر ما كان مؤلما بقدر ما بشّر بعديد الأمور الايجابية القادمة، ضدّ هذه الانظمة المعادية للمصالح العربية، في مقابل تصويت ايجابي للجزائر سيكون له افق رحب في البناء المغاربي. الواقع أنّ الموازين كانت مختلة منذ البداية لصالح الملف المشترك لامريكا وكندا والمكسيك، وهو ما أكّدته النتيجة النهائية ب 134 صوتا مقابل 65، خاصة وأن أمريكا استعملت أسلوب الترهيب السياسي (المخالف لقواعد "الفيفا")، بتهديد كل من يصوّت ضدها بقطع المساعدات الاقتصادية، ولكن ما كان قاسيا على الاخوة المغاربة هو هذا التخلي العربي الواسع على المغرب، وكان بسبب الحملة السعودية (المسنودة من الامارات) من البداية ضد الملف المغربي، التي انطلقت بالحشد المضاد منذ قرابة الثلاثة أسابيع. الخذلان المغربي كان عميقا، ولكن كان متوقعا منذ البداية انسياق السعودية في المركب الامريكي، فمن ناحية قدوم محمد بن سلمان الحاكم الفعلي في المملكة، المتنفّذ بالدعم الشخصي لترامب والمتبني لسياسات واشنطن لا يمكن ان يخرج على الفلك الامريكي، ومن اخرى فالخلاف السعودي المغربي حول تعاطف مغربي مع قطر في الخلاف المعروف كان عميقا، اضافة لانسحاب مغربي من التحالف ضد اليمن. مشهد عربي جديد الظاهر بصدد التشكّل والبروز، فسقوط المغرب الصاعق فعلا هو تنكر وانقلاب الى حد الخيانة من هذه البلدان الملكية، ذات الروابط الاستراتيجية العميقة مع المملكة المغربية وعلى راسهم السعودية فالمغرب كان حجر الاساس في كل خيارات ومنازع دول الخليج التسلّطية هذه، ولكن الثابت ان هذا الحدث الفارق سيكون بشارة امل كبرى، في كسر هذا الطوق الملكي الاماراتي الذي خرّب الوطن العربي، واجهض كل احلامه وشكّل المصدر الاغظم لكل الخيانات التي استهدفته وخاصة القضية الفلسطينية، بشارة سارة لان ذلك رفع الوعي لدى الاشقاء المغاربة بضرورة القطيعة مع هذه الانظمة الفاسدة، وعزلها واحباط مخططاتها الانقلابية الاستئصالية التآمرية على العرب ومصالحهم وطموحاتهم، وهذا سيكون له ما بعده.. والدلالات تبدو ذات مغزى عميق لان الضغط والشحن الامريكي السعودي برغم شدّته، لم يقدر في النهاية سوى على استجلاب سبعة دول عربية لا غير، أساسا السعودية والامارات والبحرين والكويت من مجلس التعاون الخليجي اضافة للاردن والعراق ولبنان، في حين كان موقف بقية الدول العربية موحدا في دعم الشقيقة المغرب، وهو عنصر ايجابي جدا، لان دول اخرى برغم اوضاعها المنهارة مثل فلسطينالمحتلة وسوريا وليبيا واليمن انحازت للعروبة على حساب التهديد والمغانم، دون نسيان تونس وموريطانيا ومصر والصومال وجيبوتي وجزر القمر والسودان وقطر، ولكن الموقف الأكثر ايجابية كان لعمان التي لم تخضع لتوجه مجلس التعاون الخليجي، في حين يظل الموقف الجزائري هو الأسمى، اذ لم تمنع الخلافات العميقة بين الجارين من الانتصار لروح العروبة. والرسالة الجزائرية بالفعل في غاية السمو والترفّع على الخلافات التاريخية، وان كان لها من دلالة كبرى فهي بداية كسر هذا الجليد نحو تشكيل المغرب العربي، الذي تعطّل لأكثر من نصف قرن بسبب خلافات واهية، في ظل عالم لا يؤمن الاّ بالقوّة الاقتصادية، ولا يتحرّك الاّ في ظلّ التحالفات الكبرى، واليوم أجيال متعاقبة تخسر كلفة باهضة من اللاّمغرب عربي، واليوم الفرز يبدو أنه صار واضحا، بعد انعزال الدول الخليجية بقيادة الامارات والسعودية، ما يفسح المجال واسعا لتحرير المبادرات المغاربية. وبالفعل فالضربة القاسية للوجدان المغربي والعربي عموما من السعودية وطوقها، ان دلّ على شيء فهو يدلّ على انحسار وعزلة التوجهات المنخرطة في التوجهات الامريكية، ويفتح المجال عميقا خاصة لاحياء حلم مغاربي، لطالما اجهضته المؤمرات والدسائس من الداخل والخارج، أصبح اليوم ضرورة ملحّة في عالم التكتلات والقوى الكبرى!! (*) قانوني وناشط قانوني