لوبي لرجال الأعمال للضغط على الحكومات تونس - الصباح في هذه الحلقة الثانية والاخيرة، نستعرض النقاشات التي دارت في ندوة الجامعة العربية أول أمس، وهي مناقشات ركز أصحابها على الصبغة العملية للتكامل المغاربي، بعيدا عن الخطاب السياسي.. وكانت مداخلات السادة الهادي الجيلاني، رئيس الاتحاد المغاربي لرجال الأعمال، والحبيب بن يحيى الأمين العام للاتحاد المغاربي، والدكتور عبد الحميد عواد الوزير المغربي السابق، مثيرة للنقاش لما تضمنته من تساؤلات وملاحظات، وما طرحته من آمال وتطلعات جديدة للمنطقة.. البطالة: «أم المشكلات».. فقد لاحظ الدكتور مصطفى الصالحين الهوني، الخبير الاقتصادي الليبي أن اقتصاديات دول المغرب العربي، اقتصاديات تابعة لدرجة كبيرة باقتصاديات أوروبا، وهي تعاني ضعف الانتاجية خصوصا في القطاع الصناعي والزراعي.. وانتقد الخبير الليبي، عدم وجود سياسات مغاربية واضحة لدعم عملية التبادل التجاري بين الاقطار الخمسة، على الرغم من اتساع السوق المغاربية.. وأشار إلى استمرار إشراف الدولة في المغرب العربي على القطاعات الاستراتيجية مثل النفط والغاز والفسفاط وقطاعات البنية الأساسية والمواصلات والاتصالات وهو ما يعني أن جهود تنشيط دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية مازالت محدودة، وهي تقتصر على القطاعات الانتاجية فحسب. ولاحظ المحاضر ضعف دور المؤسسات المالية في معظم الاقطار المغاربية، الأمر الذي يحد من إقامة شركات محلية كبرى. وأوضح الدكتور مصطفى الهوني، أن هذه المؤشرات جعلت الآداء الاقتصادي دون المؤمل، خصوصا في ضوء ضعف الكفاءة الانتاجية لليد العاملة ولرأس المال، وعدم فعالية القطاع الصناعي واعتماد القطاع الخاص على التوكيلات للشركات الاجنبية بما زاد في تعميق التبعية للرأسمال الأجبني.. فضلا عن وجود مشكلات هيكلية في اقتصاديات المنطقة بينها البطالة التي وصفها ب«أم المشكلات» في المغرب العربي، وارتفاع معدلات التضخم وضعف مداخيل الأفراد في المنطقة.. وقال الخبير الاقتصادي الليبي، أن هذه المعوقات تساهم في عدم التوصل إلى تكامل اقتصادي بين المجموعة المغاربية، ملاحظا أن مطلب الاندماج الكلي في هذا السياق، يصبح مطلبا طوباويا ومن الأولى توخي التدرج والمرحلية في هذا السياق. التكامل لمواجهة التحديات.. وكان السيد الشاذلي النفاتي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، شدد في مداخلته، على أن التكامل الاقتصادي، هو أفضل السبل لدعم نمو الدول المغاربية والعربية ومؤسساتها، باعتباره الكفيل بزيادة حجم مبادلاتها التجارية وقدرتها التصديرية، وتوسيع قاعدة المصالح المشتركة فيما بينها.. وأوضح الأمين العام للجامعة، بأن التكامل الاقتصادي، يعدّ الضامن الأساسي لتوفر القدرة المناسبة للتعامل مع التحديات التي تفرضها المتغيرات الدولية في جانبها الاقتصادي.. لوبي مغاربي.. غير أن مداخلة السيد الهادلي الجيلاني، بوصفه رئيس الاتحاد المغاربي لرجال الأعمال، كانت شديدة الواقعية بحيث ذهبت إلى صميم المشكلات التي تعاني منها المنطقة.. فقد لاحظ الجيلاني «أن الخطاب الرسمي المغاربي مشجع، لكن الواقع مؤلم» على حد قوله.. وأوضح أن التعاون المغاربي ضعيف ومحدود والقوانين الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في البلدان الخمسة مختلفة تماما، والخلافات السياسية حالت - وما تزال - دون تشكيل سوق مغاربية، إلى جانب مخلفات المشاكل القديمة التي تعطل الاندماج المغاربي.. وانتقد الجيلاني «تبعية» القرار الاقتصادي للقرار السياسي قائلا: «طالما أن الاستثمار الاقتصادي ومستقبل المؤسسة رهن العامل السياسي، فإن الحديث عن تطور اقتصادي واندماج مغاربي، يبقى غير معقول».. وأشار رئيس الاتحاد المغاربي لرجال الأعمال، إلى أن إنشاء هذه المنظمة في فيفري الماضي، تم في مناخ صعب، وبمساعدة جبارة من الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الذي أجهد نفسه لاقناع الفاعلين السياسيين والقيادات في المنطقة بجدوى هذا التجمع المغاربي لرجال الأعمال.. وشدد الجيلاني على أن رجال الأعمال في المنطقة «سيلعبون دور اللوبي مع المسؤولين الحكوميين»، على حد تعبيره حيث سيعملون على اقناع الحكومات بضرورة توحيد القوانين الاقتصادية والاستثمارية، على اعتبار أن مناخ الأعمال يتطلب قواعد دنيا في السياسة والاقتصاد لتشجيع إقامة المشاريع.. وقال الجيلاني «سنضغط لتغيير مناخ الأعمال، وتشكيل سوق مغاربية مشتركة» ملاحظا أن رجال الأْعمال باتوا اليوم أكثر المطالبين بسوق مشتركة واندماج مغاربي.. وحول مشكل البطالة الذي تعاني منه بلدان المنطقة، قلل رئيس الاتحاد المغاربي لرجال الأعمال، من خطورته موضحا أن خلق نحو 800 ألف موطن شغل سنويا أمرا ممكنا، على اعتبار توفر السوق المغاربية (85 مليون نسمة)، لكنه لاحظ أن الطاقة الشرائية للمنطقة متجهة نحو أوروبا (بما يزيد عن 80%)، وهو ما يعني أن المستقبل الاقتصادي لدولنا مرتبط بأوروبا.. التعاون الخليجي - المغاربي.. وأعلن الهادي الجيلاني عن اجتماع مرتقب (نهاية العام 2007) بين رجال الأعمال المغاربة ونظرائهم الخليجيين، «الذين باتوا يراهنون على المغرب العربي» على حد قوله.. وأوضح وجود مؤشرات مهمة للاستثمار الخليجي في المنطقة بدأت بإنجاز بعض المشروعات الهامة، مشيرا إلى أن دولة مثل الامارات العربية المتحدة، تتوفر على 250 مليار دولار قابلة للاستثمار من قبل المستثمرين الأجانب، وهو ما يعني أن السوق الخليجية مقبلة على تعاون مثمر مع الضفة المغاربية، بفعل التطورات الاخيرة الحاصلة في المشهد العراقي.. لكن الجيلاني، الذي بدا متفائلا لمستقبل الاستثمار في المنطقة، لم يخف وجود جملة من العوائق في هذا السياق بينها: * أن تدفق الاستثمار الاجنبي، يبقى رهين السوق المتوفرة والتي تحتاج إلى استقرار سياسي واجتماعي.. * توفير الظروف الملائمة (القانونية والادارية والاجرائية) لتشجيع الاستثمار الخليجي، على اعتبار أن الاتجاه الخليجي نحو المغرب العربي، «فرصة تاريخية، ينبغي استثمارها بشكل جيد، وإذا ما فشلت هذه الفرصة فينبغي الانتظار لثلاثة أو أربعة عقود أخرى» حسب قوله.. * أن المنطقة المغاربية، تواجه مزاحمة شرسة من اليد العاملة الآسيوية، لذلك فإن الاستثمارات الخليجية التي بدأت تتدفق على المنطقة تتطلب قوانين واضحة وبنية أساسية قوية وسوق مغاربية مفتوحة ومتماسكة.. ودعا الجيلاني إلى ضرورة الضغط على الحكومات، بهدف «خلق سوق اقتصادية مغاربية غير مرتبطة بالرهانات السياسية».. حول المصارف المغاربية.. وعلى صلة بموضوع الاستثمارات والأموال، تطرق السيد عبد الرؤوف بن غزالة، نائب الأمين العام لاتحاد المصارف المغاربية، عن جهود تشكيل اتحاد المصارف المغاربية، الذي يضم نحو 60 مصرفا مغاربيا إضافة إلى بنوك مركزية وشركات استثمار وجميعات مهنية. وأوضح أن الاتحاد قام بدراسة مقارنة للقوانين المصرفية في دول المغرب العربي، رفع في أعقابها توصيات إلى الحكومات، وأعد دليلا للمصطلحات المصرفية بثلاث لغات، وهو ينكب حاليا على وضع مقاصة الكترونية مغاربية.. مشيرا إلى اللقاءات التي نظمها لتطبيق (نظام البازل 2) على المصارف المغاربية، حتى يكون لها نمط عالمي.. ويرمي الاتحاد المغاربي للمصارف إلى إيجاد 10 ملايين بطاقة مصرفية في أفق العام 2010 (5 ملايين حاليا على 85 مليون ساكن).. ويستعد الاتحاد حاليا لبعث صندوق للاستثمار المغاربي، تساهم فيه البنوك والخواص بغاية تمويل مشاريع لها جدوى اقتصادية ومالية في المنطقة.. شروط الخروج من المأزق.. في نفس السياق أيضا، لكن بنظرة تحليلية عميقة، تولى السيد عبد الحميد عواد، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب المغربي والوزير السابق، عملية تشريح الوضع الاقتصادي المغاربي برؤية الاقتصاد السياسي.. وأكد عواد منذ البداية، أن المفاوضات المغاربية مع أوروبا تمت بصورة منفردة، وهو ما جعل دول المنطقة تغنم اتفاقات محدودة.. ملاحظا أن المعالم السياسية للمنطقة المتوسطية، بدأت تتضح فيما بقي المغرب العربي يراوح مكانه.. وعدد الوزير المغربي السابق، جملة العوائق التي تحول دون الاندماج المغاربي، من بنيها ما وصفه ب«العوائق المؤسسية» على غرار شهادة الاستيراد والمواصفات، التي قال إنها آلية أمريكية وأوروبية لاقصاء المنتجات القادمة من المغرب إلى جانب عدم توفر شروط منافسة حقيقية بين دول المنطقة، بالاضافة إلى العوائق السياسية، وتعدد المبادرات الاجنبية. وطالب السيد عواد بوضع خريطة طريق للبرامج والسياسات والاتفاقيات وتنسيق الجهود للتقليص من كلفة «اللامغرب».. ولاحظ وجود حالة من التشتت في الحالة المغاربية، تستوجب عددا من الشروط للخروج من هذا المأزق بينها: * توفر الارادة السياسية العملية لدى النخب الحاكمة.. * ضرورة إعطاء القطاع الخاص دورا أكبر في تحقيق التنمية المشتركة.. * فتح الآفاق أمام الشراكات، وأشار في هذا السياق إلى ضرورة أن تكون المنطقة المغاربية، محطة اقلاع للاستثمارات الخليجية. * أن تغير النقابات المهنية أسلوبها وثقافتها، من الطور التنازعي المطلبي إلى المجال التشاركي.. * جلب الاستثمارات الأجنبية.. وشدد الوزير المغربي السابق على أهمية اللوبي في ممارسة ضغوط على الحكومات، مناشدا جميع مكونات المجتمع (حكومات ونقابات ورجال أعمال) إلى الحوار كمنهجية وخيار.. ولاحظ الوزير أنه ثمة ديناميكية جديدة في المنطقة، بما جعل مساحة الجمود والعطالة في المغرب العربي تتقلص داعيا إلى ضرورة وضع استراتيجيات قطاعية في المنطقة.. في «قفص الاتهام».. ولم يخف السيد الحبيب بن يحيى، الامين العام لاتحاد المغرب العربي، وقوع الاتحاد المغاربي «في قفص الاتهام» كلما طرح الموضوع للنقاش.. لكنه لاحظ أن الوقت قد حان للتفكير في أساليب جديدة للتكامل الاقتصادي المغاربي في ضوء الاهتمام الغربي والدولي بالمنطقة المغاربية.. وكشف الأمين العام للاتحاد المغاربي، عن وجود ضغوط من المجتمع الدولي لتسريع عملية التكامل فالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أعدا دراستين حول التكامل الاقتصادي المغاربي، والمؤسسات الاوروبية تضغط في نفس الاتجاه لحماية دولهم واقتصادياتهم ومصالحهم من الارهاب والهجرة.. وتحدث بن يحيى عن وجود 38 اتفاقية بين دول المنطقة المغاربية، 19 منها ذات طابع اقتصادي وتجاري، قائلا في هذا السياق «لم تتغلب الدول الاوروبية على جيوب الفقر، إلا بواسطة التكامل الاقتصادي»، الذي من شأنه إضافة نقطتين في نسبة النمو وتوفير فرص عمل مكثفة.. وأوضح الأمين العام للاتحاد المغاربي، أن الفترة الماضية، شهدت توسع عملية التوحيد في المنطقة لتشمل رجال الأعمال، الذين بات لهم اتحادهم (مقره بالجزائر) وتتجه مساعي الأمانة العامة لبعث منظمة مغاربية للفلاحين، واتحاد بيطري مغاربي، ونتطلع لايجاد آلية لحماية المستهلك المغاربي.. وقال بن يحيى، عقدنا 114 اجتماعا للجان القطاعية المتخصصة خلال العام 2006، ونستعد لعقد اجتماعات في مستوى وزراء الشباب ووزراء الثقافة، مشددا على أنه «من دون التجمع المغاربي، لا يمكن أن يكون لنا موقع في المنطقة الاورومتوسطية ذات 37 دولة». وأكد بن يحيى على «ضرورة تقليص جوانب التفرقة فيما بيننا، سيما في ضوء وجود من يحاول التفريق بين المغاربة»، معربا عن يقينه بأن يكون اتحاد المغرب العربي أكثر قوة في المستقبل.