بقلم: شكري بن عيسى تقدّم "عظيم" تحققه تونس اليوم في مجال رقمنة الادارة والحوكمة، وصل الى حد ادارة الازمات وحتى الكوارث عن بعد، وآخرها ما حصل لاهلنا في ولاية نابل، وسوّق خلاله اعلام السلطة أنّ الشاهد "تنقّل" للاغاثة والنجدة والانقاذ، التي لم تكن سوى عبر "الفيديو كونفوانس"، من الغرف المركزية المحصنة المحمية في العاصمة، ولم تطأ قدماه أرض نابل الا بعد ان هدأت العواصف من الغد، وتركت أضرارا ضخمة وفزعا عارما لم يكابدها ويعايش اهوالها، سوى من كان على عين المكان، في اللحظة الذي اندفعت فيه الوالية في اخبار الثامنة الى نفي أي ضرر، في الوقت الذي كانت فيه النكبة حقيقية. ألم ومرارة كبيرين البارحة في نابل وعدد من معتمدياتها بعد الامطار الطوفانية التي غمرت الجهة وكادت تأتي على كل شيء، من سيارات جرفتها المياه السائلة بقوة، الى المنازل والمشآت التي اكتسحتها الامطار الغزيرة، وصولا الى الطرقات والجسور التي تداعت عميقا، انتهاء بالضحايا البشرية المريرة، واذ كان التضامن عارما من كل جهات وفئات الشعب، وهو ما خفف بعض الشيء الكارثة، فقد عمّقها غياب حقيقي لاستراتيجية تعامل، وزاد في حدتها الارتباك الواضح في التعامل، اضافة لغياب المعلومة والمتابعة، وغياب التوجيه والارشاد وقت الحاجة، وخاصة خاصة عدم وجود مسؤول اول يطمئن الناس على حياتهم وممتلكاتهم، كان يتصرّف من وراء ستار حديدي. صحيح ان الامطار كانت طوفانية وغير مسبوقة، فاقت 200 مم، وان اكبر البلدان ستعيش نفس الذعر والانهيار، ولكن ادارة الازمة شابتها اخلالات عميقة، في وقت كان فيه الاهتمام في اعلى مستوى الدولة مركزا على التموقع والصراعات على 2019، والاستقبالات في القصبة مركزة على الكتل النيابية، التي تحولت الى سوق لتنقلات اللاعبين (عفوا النواب)، على شاكلة "الميركاتو" في البطولات المحترفة، والتقصير الاكبر كان في عدم تركيز نقطة اعلام واغاثة عبر الاذاعة والتلفزة الوطنية، والاعلام بوجود نقطة خطر كبرى ومنع التنقل للجهة، وبمتابعة كل الحالات وتوجيه الاغاثة الانية نحوها وتوفير المعلومة الدقيقة الانية، في ذلك الوقت كانت القناة العمومية تبث اغاني، وحتى في نشرة الثامنة فقد كانت المشاهد والاخبار بلا علاقة بما حدث، بالمقارنة مع الفيديوهات الحية التي بثها الواحلون في قلب الفيضان. الفيضان الذي كان منتظرا حسب الاحوال الجوية، والعلم اليوم تقدم لتوقع العواصف والاعاصير بدقة كبيرة، ولو تم اعلام الاهالي مسبقا لتم التحضر الامر بشكل ثاني والتوقي بطريقة اكثر فعالية، ولكن الواضح ان السلطة ذاتها لم تتهيء للامر، ولم تحضر خطة طوارىء جاهزة للامطار العارمة. الفيضان الذي تعمق ايضا بتنفيس بعض السدود والذي ما كان ليكون في ذلك المستوى ويجرف السيارات، لو كان تطهير السدود من الرواسب التي ابتلعتها وتنظيف وتطهير شبكات صرف المياه والامطار تم بشكل فعّال، ولو تم تهيئة الاودية، ولو كانت ايضا البنية التحتية من طرقات وجسور مهيأة بشكل هندسي معماري يراعي مثل هذه الكوارث، وخاصة لو لم يكن الفساد الذي تعرى وظهرت معه عورات الادارة والحكومة وحتى الهيئات الشكلية التي تدعي مكافحة الفساد. السرقات والنهب في الصفقات العمومية فاق كل خيال، والحكومة مع رئيس هيئة مكافحة الفساد المعين من لدنها لا نشاهدهم سوى في اثارة الغبار، وتلك الفلكلوريات في ساحة القصبة برفع "السبركة"، في مشاهد مقرفة ملّها الشعب وشجبها، في الوقت الذي راينا فيه بنية تحتية من جسور ومنشآت وطرقات منهارة، اضافة لهلاك اربعة (4) اشخاص لحد اللحظة، ومع ذلك تخرج علينا الوالية لتعلن عدم وجود خسائر من اي نوع، في مغالطة وتضليل كذبه الاصوات الصادحة الطالبة للاغاثة، الذي وصل صداها كل العالم، وايضا وزير التجهيز الذي كل مرة يخرج علينا بخرافة جديدة، قبل ايام في العاصمة بتحميله الشعب مسؤولية غرق العاصمة في المياه والاوحال، واليوم بادعاء عدم وجود اخلالات في البنية التحتية مزدريا كل الاصوات المجمعة على الفساد التي كادت تهلك لولا الطاف الله. ولم يتنقل لها صاحب القصبة الا هذا الصباح، واكتفى في وقت الكارثة بالفيديو كونفرانس، مع خروج اعلامي بارد ببدلة رسمية وكرافات، في انفصال تام على الشعب الذي كابد الاهوال، فخرج محتجا في عديد منه على مثل هذه الزيارات الاستعراضية التسويقية، في الوقت الذي لم ترسل فيه الطائرات والالات التي تم اقتناؤها باموال الشعب من ضرائبه للاغاثة، وكانت موضوعة في اغلبها على ذمة النافذين وشبكات السلطة والجاه !!