بقلم عادل السمعلي مرة أخرى يضرب الارهاب في قلب العاصمة بتونس ومرة أخرى يبعث لنا الارهاب رسائل كان من الاجدى دراستها والانكباب على فك شفرتها بدل الانغماس في المهاترات الحزبية والمزايدات السياسية رغم الفشل الذريع لعملية التفجير في قلب العاصمة أمس والتي لم تتسبب في خسائر بشرية في صفوف المواطنين وقوات الامن إلا أن ذلك لا يمنع من استخلاص الدروس والعبر من هذه الحادثة الفاشلة وذلك في اتجاه الدفع نحو طرح المسائل والمشاكل الحقيقية التي تواجه البلاد في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس ان شعور الدهشة والصدمة البارحة في شوارع العاصمة ليست ناتجة فقط على أن العملية الارهابية الجبانة كان مدارها أكثر الاماكن اكتظاظا في العاصمة وليست ناتجة فحسب عن العنصر الجندري لمرتكب العملية باعتبارها أنثى كما أنه ليس ناتجا عن المستوى التعليمي الجامعي للإرهابية بل إن شعور التعجب والذهول ناتج عن تخدر مستوى الوعي العام الذي ظن من باب الخطأ وسوء التقدير أن الحرب على الارهاب قد انتهت للأبد وأنها كللت بالنجاح التام والنهائي إن من يحلل أحداث وبيانات وتحركات واتجاهات الراي العام في الايام القليلة السابقة للتفجير الارهابي يلاحظ أن الوعي السياسي العام يخضع لعملية تخدير وتنويم مغناطيسي يبعده بمسافات طويلة عن التحديات الكبرى التي تتعرض لها تونس منذ هروب المخلوع وهي بالأساس تحديات اقتصادية وتحديات امنية. ففي حين ينمو الاقتصاد ببطيء و ينهار الدينار أمام العملات الاجنبية نرى اصرار البعض على الدفاع عن قيم التواكل و التكاسل والبطالة التقنية وذلك من خلال التحركات الاجتماعية العشوائية والمطلبية المشطة المشكوك في جدواها وكذلك من خلال الدفاع المستميت عن مؤسسات عمومية منهوبة و مفلسة ضد الاصلاح و الخوصصة و الحوكمة الرشيدة وعلى المستوى الامني لا بد من التأكيد أنه كلما تقدمت العملية السياسية نحو ترسيخ الديمقراطية والمؤسسات كلما ازدادت المخاطر الامنية وبعيدا عن عقائد الارهابيين الكافرين بمنظومة الديمقراطية والمعارضين لمنطق الدولة الحديثة فانه لا بد أن نشير الى مواقف الدول العربية الاستبدادية من التجربة التونسية خاصة وأن أغلب العائلات العربية الحاكمة بالوراثة لا يروق لها النموذج التونسي خوفا من تعميمه على المنطقة إن المتابع لمجريات الاحداث في تونس في المدة الاخيرة يلاحظ بدون أدنى شك أن المعطى الامني والمعطى الاقتصادي هما من أكثر المواضيع تغافلا وتهميشا في مختلف سائل الاعلام العمومية والخاصة السمعية والبصرية وانه لا يتم طرحهما الا في المناسبات وأن النزاع على الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2019 وصراع اللوبيات المتنفذة هو الغالب على المشهد السياسي والاعلامي ومن خلال هذه الغفلة يتسرب العمل الارهابي الجبان وتواصل قيمة الدينار في التراجع والانهيار ... فمتى يرتفع الوعي العام و يقوم بتحديد سلما جديدا للأولويات الوطنية يكون فيه الامن والاقتصاد على رأس الاهتمامات من جميع الاحزاب والمنظمات بعيدا عن الصراخ المعتاد والمشاكسات الفارغة والمزايدات المعتادة .