بقلم الأستاذ بولبابه سالم ما كان ليرافق التحوير الوزاري الذي اقدم عليه رئيس الحكومة جدلا كبيرا لو زكاه رئيس الجمهورية ، لكن كلمة الشاهد التي اعلن فيها تحمل مسؤولياته في اجراء التعديل الوزاري و تجاوز ما اسماه الأزمة السياسية يؤكد بوضوح وصول العلاقة بين القصبة و قرطاج الى طريق مسدود . طبعا ، يكفل الدستور للشاهد القيام بتحوير وزاري عدا وزيري الدفاع و الخارجية اللذان يعينهما رئيس الجمهورية ثم يعرض الوزراء الجدد على البرلمان لنيل الثقة ، و هنا تبدو الحسابات حاضرة بقوة لضمان تزكية محلس الشعب حيث تتحدث بعض المصادر عن اغلبية مريحة ب 136 صوت تؤيد الحكومة الجديدة . لكن البعض اعتبر ما اقدم عليه الشاهد خيانة لأنه لم يستشر الرئيس الباجي قايد السبسي الذي عيّنه قبل سنتين رئيسا للحكومة و دعّمه لانه لم يكن من وجوه الصف الاول في نداء تونس ،، لكن الشاهد رفض ان يكون الحبيب الصيد 2 عندما ارادوا اسقاطه ضمن ما يسمى بوثيقة قرطاج 2 لأنه ابن النداء و يعرف جيدا ما يحدث في المطبخ الندائي و توجه بانتقادات مباشرة و عنيفة ضد مدير الحزب حافظ قايد السبسي الذي حمله مسؤولية تدمير نداء تونس و تعطيل دواليب الدولة و احاطة نفسه بمجموعة من الفاسدين . كان الشاهد وقتها قد ضمن مساندة بعض القوى الفاعلة داخليا خاصة في اجهزة الدولة و مساندة سياسية من حركة النهضة التي رفضت اعادة سيناريو الاطاحة بالحبيب الصيد التي قبلته في السابق عن مضض كما عبر عن ذلك قادتها ، و تبدو المساندة الخارجية ايضا في رصيد الشاهد حيث لا تخفي بعض الدوائر الاوروبية و المالية و خاصة الامريكية دعمها للاستقرار الحكومي في تونس كضمانة لتدفق القروض و المساعدات . و لكن المتابع للشان العام يدرك ان ما يحدث يكون طبيعيا في ديمقراطيات مستقرة ، اما تونس فهي ديمقراطية ناشئة و هشة بسبب التهديدات الارهابية و تنامي المطلبية و ارث الاستبداد و كثرة التحديات الاقتصادية و الاجتماعية . من ناحية اخرى يبدو ان الشاهد اصبح ايضا رجل المرحلة كما عبر عن ذلك بعض القيادات المنسحبة من النداء و التي طالبت بان يلتف حوله الطيف الحداثي و الديمقراطي بعد ان اكتسب خبرة تسيير دواليب الدولة ، و الحقيقة ان الظروف و الاحداث و المعارك السياسية هي التي تفرز القادة و الزعماء و تحدي الشاهد لابن الرئيس اكسبه تعاطف الندائيين الغاضبين من طرق تسيير الحزب . اهم ما يلاحظ في التحوير الوزاري هو تعيين روني الطرابلسي وزيرا للسياحة وهي اشارة سياسية قوية و انذار حقيقي لمن يحرك زر الارهاب في تونس الذي يستهدف القطاع السياحي من الدوائر الخارجية . اما تعيين الدستوري و رئيس حزب المبادرة كمال مرجان فهو استمالة للعائلة الدستورية و قد تكون تمهيدا لترشيحه للرئاسيات القادمة خاصة انه كان مرشخا سابقا لخلافة بن علي و يحظى اليوم بدعم النهضة التي تربطه بها علاقة جيدة مع محافظة الشاهد على سلطة القصبة . لكن كيف سيتعامل نداء تونس و رئيس الدولة المعارضين لبقاء الشاهد اصلا ؟ الخلاف بين قرطاج و القصبة سياسي بالاساس و اصبح رئيس الدولة غاضبا من تمرد الشاب الذي دفعه الى السلطة والشهرة ،، و هذا الخلاف ليس بسبب الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية بل بسبب طموح و رغبة ابنه . من جهة اخرى فان نداء تونس لن يبقى مكتوف الايدي و سيحرك ابواقه الاعلامية و نفوذه في الدولة العميقة لزعزعة حكومة الشاهد و ارباكها ، و لو ان العقل يقتضي ان ينكب الحزب على ترميم هياكله و انجاز مؤتمره و الاستعداد للانتخابات القادمة . اما الخاسر الاكبر في هذا التطاحن بين النخب السياسية المتناحرة فهو الشعب الذي غابت أولوياته عن طاولة الحكام و منابر الاعلام . كاتب و محلل سياسي