طارق عمراني تعتبر السياسة علما من العلوم و يمكن لها ان تتمازج مع باقي فروع العلوم الاخری فإذا تقاربت مع الإقتصاد تعطي "الإقتصاد السياسي" ،و اذا تماهت مع علم النفس تفرز علم النفس السياسي ،و إذا انصهرت في الجغرافيا تكون الجغرافيا السياسية و اذا تمازجت مع الفلسفة فحينها نجد الفكر السياسي و هو الفكر التنظيري و الادبي لكل المدارس السياسية من الماركسية و الليبرالية و الرأس مالية و الإسلامية و الأناركية و غيرها ... و يمكن كذلك للسياسة المعروفة بالبوليتولوجيا ان تتزاوج مع الميثولوجيا (علم الأساطير و الطقوس ) ،فالعلاقة ازلية بين العلمين و لايمكن فصلهما عن بعضهما حتی ان كل الأساطير اليونانية مثل برومثيوس و أوديب وغيرهما ...كانت مقترنة بالفلسفة السياسية و خاصة الافلاطونية و في الصين كذلك اقترنت السياسة عند صن اتزو في كتاب فن الحرب بالاساطير القديمة وفي التاريخ الإسلامي كانت رائعة كليلة و دمنة تمازجا فريدا بين الميثولوجيا الحيوانية و الحكم السياسية . حتی ان الفلسفة السياسية الغربية كذلك كانت تعود الی الميثولوجيا الحيوانية حين يقول الفيلسوف توماس هوبز "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان " ،وقد سبقه نيكولا ما كيافيل في اثره الأمير بقوله في مجمل نصائحه لملك فلورانسا "إن الذين استطاعوا تقليد الثعلب حققوا افضل النتائج " . و تعمق الكاتب البريطاني جورج اورويل في ذلك في رائعته "مزرعة الحيوان " و التي كانت نقدا للنظام الشيوعي و جوزيف ستالين عبر رواية ديستوبية ابطالها من الحيوانات الناطقة . ومن الطرافة في المشهد السياسي التونسي ان اغلبية استشهادات الساسة في الاسبوع الفارط كانت من وحي الميثولوجيا الحيوانية تحديدا حيث استشهد رئيس الحمهورية مهددا حركة النهضة بأسطورة قبرة طرفة ابن العبد حيث قال رئيس الجمهورية مخاطبا حمامة مونبليزير "إذا خلا لك الجو فبيضي و فرّخي " ،وفي نفس السياق علّق القيادي النهضوي محمد بن سالم علی التقارب الندائي الجبهوي بالمثل التونسي المعروف "كان جت البومة فيها الخير ما يفلّتهاش الصياد "،قبل ان ينهيها الرفيق حمة الهمامي متهكما علی رئيس الجمهورية بوصفه بالذيب حين قال "اللي في قلب الذيب قاريه السلوقي " شخصيات ميثولوجية في السياسة التونسية دونكيشوت دي لامانشا و محمد نجيب الشابي رواية دونكيشوت وهي رائعة الاديب الاسباني "ميغيل دي ثيربانتس" و بطلها الونسو كيخانو و هو خمسيني مولع بقراءة كتب الفروسية ليفقد عقله بعد ذلك و يخرج هائما علی فرسه الأعجف النحيل ليصارع طواحين الهواء عبثا حين ظنها شياطين لها اذرع هائلة تقوم بنشر الشر في العالم و يقابل شخصية دونكيشوت في تونس اليوم شخصية نجيب الشابي القيادي التاريخي للمعارضة الاجتماعية في عهد الاستبداد و يبدو ان نجيب الشابي و من فرط مثاليته اصبح يتخيل انه قادر علی اكتساح الانتخابات و ذلك بتعبيره عن استعداده للحكم و صناعة عداوة وهمية لحركة النهضة و تأكيده ان قادر علی قطع الطريق عليها سيزيف : شخصية اغريقية تقول الاسطورة ان الآلهة زيوس عاقبته بحمل صخرة من اسفل الجبل الی اعلاه فإذا وصل القمة تدحرجت الی الوادي و هكذا دواليك لتستمر العملية بشكل ابدي . السيزيفية في تونس تتجسد بشكل جلي في الجبهة الشعبية حيث يسعی الائتلاف اليساري الی استحضار اصله التجاري مع كل انتخابات متمثلا في ملف الاغتيالات السياسية و اتهام حركة النهضة ،حركة سيزيفية عدمية متواصلة فبالرغم من اعراب امين عام الجبهة الشعبية عن استعداده للحكم فإن السيناريو معلوم و هي حرب بالوكالة يستغلها حزب رئيس الجمهورية للعودة للساحة السياسية من بوابة "التصويت النافع " و كل انتخابات و الجبهة السيزيفية بخير. نيرون : اسطورة الإمبراطور الروماني الذي حرق روما بعد نزوة حيث اعتقد الامبراطور انه بذلك سيعيد بناءها ،و بينما كانت النيران تتصاعد و الاجساد تحترق كان جالسا في برج مرتفع يتسلی بمنظر الحرق و بيده آلة طرب و يغني اشعار هوميروس. اندفاع رئيس الجمهورية بسياسة الأرض المحروقة و استعماله للسرعة القصوی للإنتقام من خصومه تجعلنا نعتقد ان مواصلة الباجي قايد السبسي في تمشيه المتهور ستجعل منه "نيرون " تونسي يتلذذ بحرق البلاد من علی شرفته بقصر قرطاج لكن الاسطورة ايضا تقول بأن نيرون قد رحل و بقيت روما الی اليوم ...