طارق عمراني في تونس وحتی تفهم المشهد السياسي عليك أن تنجح في الإلمام بعلوم السياسة وعلم السيميائيات واللغويات وباقي العلوم الإنسانية والصحيحة فالظاهرة السياسية في تونس قد سفّهت أعتی المراجع وكذبت كل نظريات نيكولا ماكيافييل وصن إتزو وروبر غرين وفوكوياما ونعوم تشومسكي ،ظاهرة متحولة تمازجت فيها التراجيديا والسخرية حتی اهتزت صورة السياسي وتنمطت وتأقنمت في أقنوم "التهريج" فأصبحت البلاتوات السياسية قبلة المشاهد للترويح عن النفس بعد أن مل اعادة وتكرار مشاهدة سيتكوم شوفلي حل ،نفس الخطاب المستهلك منذ سنوات حتی أن ذلك السياسي الحكيم الذي يدعی نجيب الشابي المعروف بنضاله العقلاني ورفضه الإقصاء رقص مؤخرا رقصة الديمقراطي المذبوح ولعب آخر أوراقه في أرذل العمر السياسي راكبا الموجة في حواره مع جريدة البيان حيث إعتبر "أن إقصاء حركة النهضة هو الحل الوحيد لإنقاذ البلاد" وفعلا نجح في إثارة الرأي العام ليتصدر عنوانين المواقع الإلكترونية والإذاعات والتلفزات قبل أن تسحب الإحتجاجات البساط من تحته وتعطي الكلمة لحمة الهمامي ورفاقه الذين إحترفوا لعبة "تفسير الماء بالماء " وهو مثل عربي ضرب قديما حيث تقول القصّة أن قوما كانوا يجلسون في واحة وسط الماء فأراد أحدهم تأريخ ذلك شعرا فقال: فكأننا والماء من حولنا ** قوم جلوس حولهم ماء فضحك الحاضرون الذي كان من بينهم شاعر قال ساخرا أقام بجهد بعد أيام قريحته **وفسّر الماء بعد الجهد بالماء وهكذا أصبح مثل "وفسّر الماء بعد الجهد بالماء" يضرب علی الكلام الغير مقنع ،فإستحضرت هذا المثل عندما سمعت مداخلة القيادي في الجبهة الشعبية والنائب منجي الرحوي علی القناة الوطنية الأولی ليلة البارحة حيث إعترف بتصويته وكتلة الجبهة الشعبية علی فصل الترفيع في القيمة المضافة ب1% بنعم، وذلك حسب تفسيره من باب الوطنية حين انسحب نواب كتلة حركة النهضة من الجلسة بغاية تعطيل قانون المالية حسب تعبيره فما كان منه ورفاقه إلا تحمّل المسؤولية التاريخية... ، وفي التصويت علی القانون برمته صوّتت كتلة الجبهة الشعبية ضد هذا القانون لأنه لا يراعي المقدرة الشرائية للمواطن ! ،فعلا كوميدياء سوداء تعجز عن فك شفراتها وتعجز عن تفسيرها بنظريات النحاة من الأخفش الكبير إلی سيبويه والفراهيدي فالجملة التي صاغها الرحوي علی الهواء مباشرة شذّت عن أصول اللغة وأساليبها وتراكيبها وهربت من رقابة الضوابط وإذا ما أردت إخضاعها لنظريات اللسانيين من إميل بنفينست إلی تشومسكي فستعجز أيضا لإفتقاد تلك الجملة لشرطي "البنية والدلالة" وإذا أردت أن ترجعها إلی إنتهازية وبراغماتية نيكولا ماكيافيلي في كتاب الأمير فستفشل أيضا لأن لا غاية في كلام الرحوي حتی تبرر الوسيلة ،مزيج من الشعبوية والسفسطة والسريالية في خطاب رث يعكس غياب المشروع السياسي عن اغلب الأحزاب التونسية وعجزها عن التشخيص العقلاني واقتراح البدائل بعيد عن الخطابات الغوغائية التي تحترف التشويه والمغالطة والضرب تحت الحزام وشعارهم في ذلك مقولة جوزيف غوبلز وزير دعاية ألمانيا النازية "أكذب ....أكذب حتی يصدقك الناس " ...