لا أطيق الدوشة التي هي الإزعاج، ولا أعني بذلك أبواق السيارات وهدير حركة المرور وما إلى ذلك، بل أعني أيضا التجمعات البشرية بما في ذلك الحفلات والولائم الكبيرة، وبداهة فإنني لا أحضر الحفلات الغنائية بل أعترف وأفتخر بأنني صنت أذني عن كثير من الدنس الموسيقي العربي المعاصر، ليس فقط لأنه يخاطب الأعضاء التناسلية وليس الأذن، ولكن أيضا لأن معظم المطربين والمطربات يسجلون أغانيهم في ورش في المنطقة الصناعية.. في مستشفيات سلوفاكيا وهي جمهورية تستحق عضوية الجامعة العربية لبؤس حالها، اكتشف الأطباء أن تشغيل السيمفونيات في عنابر الأطفال حديثي الولادة، يجعلهم أكثر ميلا إلى الهدوء والنوم.. وكتبت قبل سنوات في مجلة المجلة عن دراسة قالت إن الاستماع إلى موسيقى العبقري النمساوي موزارت يرفع معدلات الذكاء، وقلت إن تلك الدراسة تفسر نبوغي المتأخر، ففي الثمانينات صدر فيلم أماديوس الذي يحكي قصة ذلك الفتى الذي برع في العزف الموسيقي وهو بعد طفل، ولم تكن بي رغبة لمشاهدة الفيلم لأن السيمفونيات كانت بالنسبة لي مثل جر برميل مليء بالحصى على بلاط مفكك، ولكن صديقا لي أتاني بشريط فيديو لأماديوس وقلت "اللهم طولك يا روح" وجلست أتابع الفيلم الذي شدني في أوله معاناة موزارت كطفل وصبي، ثم توالت القطع الموسيقية، وشيئا فشيئا وجدت نفسي مشدودا إلى معزوفات موزارت، بل شاهدت الفيلم أكثر من عشر مرات خلال 48 ساعة، وهكذا انضممت إلى قائمة المتحضرين الذين يتذوقون الموسيقى الكلاسيكية.. ولكن "مؤقتا"، بمعنى أنني لم أشغل نفسي باقتناء مقطوعات موزارت رغم أنها تشدني كلما استمعت إليها مصادفة في جو شديد الهدوء، .. وفي دراسة أجريت مؤخرا في بريطانيا جلس 75 شخصا لامتحان رياضيات صعب ومعقد، وبقياس ضغط الدم عندهم، اتضح أنه ارتفع بمتوسط عشر نقاط عند كل واحد منهم، وبعدها تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات: واحدة تستمع إلى الموسيقى الحديثة وثانية إلى الموسيقى الكلاسيكية وثالثة في قاعة يسودها الهدوء التام... وعاد ضغط الدم إلى معدلاته العادية لدى الفئتين الأخيرتين بينما ظل مرتفعا لدى من استمعوا إلى موسيقى الروك والبوب، ولحسن حظ من خضعوا للاختبار فإن بريطانيا لم تسمع بموسيقى شعبان عبد الرحيم التي لو استمع إليها طفل عمره خمسة أشهر لأصيب بجلطة دماغية.. أنا أعرف أن شعبان خفيف الظل ومن النوع الذي لا تستطيع أن تكرهه مثل كراهيتك لفاروق الفيشاوي أو - إذا كنت متخلفا مثلي - روبي وشيرين وهيفا، ولكن صوته أسوأ من صوت صديقي الصحفي السعودي المعتق قينان عبد الله الغامدي الذي لم يشف تماما، في ما يبدو، من البحة التي أعقبت إصابته بالسعال الديكي قبل 45 سنة. المهم: نصيحتي للقارئ هي أن يتجنب الموسيقى العربية المعاصرة لأنها ترفع ضغط الدم وتسبب التهاب القولون وتولد الغازات الهضمية، ولا يعني ذلك أنني أشجعه على الاستماع إلى موزارت أو بيتهوفن،.. بل بالتمتع بنعمة الهدوء.. أترك سيارتك مفتوحة حتى يتسنى لأحد الأغبياء سرقة جهاز الراديو والتسجيل الخاص بها، ثم اجلس بداخلها وأغلق نوافذها بالغراء وتمتع بالهدوء، وفي البيت، لا تفتح التلفزيون على قناة عربية كي لا تسمع موسيقى أو خطبا عربية، فكلها تقصر العمر.