الطيش المالي للسياسة الاقتصادية لإدارة بوش - إذا كانت تستحق أن يطلق عليها ذلك الاسم - يشكل خطراً أكبر على الشعب الأمريكي من الإرهابيين. بإمكان الإرهاب دائماً أن يحصد أرواح أفراد قليلين لكن الانهيار المالي يمكنه أن يدمر حياة الملايين، لقد نقل مساعدو بوش البلد من فائض محتمل يقدر بمئات مليارات الدولارات إلى عجز محتمل يصل إلى مئات مليارات الدولارات. ذلك الدين الذي يصل إلى عدة تريليونات، مقروناً مع مستويات الدين الضخم للشركات والأفراد حالياً، يشكل خطراً واضحاً على مستقبل هذا البلد. جيل ما بعد الحرب لا يعرف معنى الكساد الاقتصادي، لكن أجدادهم يمكن أن يخبروهم أنه يجعل الانحسارات الصغيرة التي تمر بها أحياناً تبدو وكأنها فترات ازدهار. باعتباري رجلاً ريفياً فقد كنت دائماً أنظر بعين الشك إلى كبار رجال الأعمال في وول ستريت (المركز المالي لأمريكا)، لكنني أحترمهم في نقطة واحدة على الأقل، تلك النقطة هي معرفة التمويل الضخم. والممولون الأذكياء فعلاً يبدون قلقهم الحقيقي من الاتجاه الذي تأخذ إليه إدارة بوش هذا البلد، ومن هؤلاء الممولين روبرت روبين، وزير خزانة الرئيس كلينتون والملياردير جورج سوروس. وهذان ليسا أكاديميين يلعبان بالكمبيوتر، إنهما رجلان متمرسان في المجال العملي تعلما من التجربة في العالم. وروبين هو حاليا مستشار لجون كيري. وجورج بوش ليس محافظا كما يدعي، فقد سمح للإنفاق المتروك لتقدير المرء (الاستنسابي) بالزيادة بمعدل أكبر مما كان عليه أيام كلينتون. وتخلى بوش عن مبدأ الإنفاق أولاً واختار أن يجمع بين تخفيضات كبيرة في الضرائب مع خوض حربين. حاول ليندون جونسون أن يسير في طريق تأمين السلاح اللازم ولقمة العيش للمواطن خلال حرب فيتنام، ودفعنا ثمن ذلك بتضخم كبير ومعدلات فائدة مرتفعة، وتلا ذلك انحسار اقتصادي حاد. بوش يحاول أن يجمع بين الحرب والرفاهية، والنتائج ستكون سيئة جداً. التضخم أسوأ أنواع السرقة، ولكي تخفي جريمتها تحاول الحكومة الأمريكية بين الحين والآخر أن تغير السنة التي تعتمد عليها لقياس التضخم وحتى حسب آخر سنة اعتمدوها لقياس التضخم، فقد سرق التضخم من الناس حوالي 40% من قوتهم الشرائية، منذ فترة ليست بالبعيدة كان الدولار يساوي أكثر من يورو، أما اليوم فإن اليورو يساوي 1.20 دولار. هذا ليس مؤشراً جيداً. حاليا نعاني من عجز قياسي وعجز تجاري قياسي، وليس هناك نهاية على المدى المنظور، فيما عدا كارثة اقتصادية وشيكة يمكن أن تسبب فقر ملايين الناس، وقد تقضي على ما تبقى من الطبقة الوسطى. منذ عدة سنوات قضيت عدة ساعات أقرأ صحفا قديمة تعود إلى الأسابيع التي سبقت انهيار سوق البورصة عام 1929، لم تكن هناك كلمة تحذير واحدة في تلك الصحف. الأخبار الاقتصادية المنشورة في تلك الفترة كانت تشبه بشكل مخيف ما يقال اليوم مثلاً "الاقتصاد أساساً بحالة جيدة"... إلخ. لا، إنه ليس كذلك... إنه في وضع خطر. جون كيري لديه الكثير من الأخطاء، لكنه على الأقل يفهم مدى خطورة الوضع الاقتصادي وهو ملتزم بتصحيحه، على الناس أن يتجاوزوا هذا الهراء المتعلق بالصراع الليبرالي/ المحافظ ويضعوا رجلا في البيت الأبيض يتمتع بما يكفي من الذكاء ليمنع بلده من الانهيار الاقتصادي. بوش يعيش في عالم مليء بالألوان، لكنه لا يرى سوى الأبيض والأسود، العالم ليس بهذه البساطة، لا نستطيع أن نتحمل رئيسا يريد ملخصاً في فقرتين عن قضية معقدة ويعتقد أن أي شخص لا يتفق معه في الرأي هو عدو. نعم كيري متحدث ممل وصحيح أنه مخطئ فيما يتعلق بقضايا ترخيص حمل الأسلحة النارية، وأتمنى فعلاً لو كان هناك خيار ثالث. ولكن من أجل النجاة على المستوى الاقتصادي على الأمريكيين أن يرسلوا بوش إلى حياته المريحة في تكساس، وإلا فإن سياساته المتهورة ستجعل حياة الأمريكيين غير مريحة مطلقاً. *تشارلي ريس * كاتب أمريكي رئيس تحرير هيرالد تريبيون السابق