بقلم الأستاذ بولبابه سالم عندما تقرأ العروض المبرمجة و الفعاليات التي تصف نفسها بالثقافية خلال ليالي رمضان في بعض المراكز بالعاصمة تنتابك دهشة من حجم الرداءة و كثافة التفاهة و تشجيع على الدروشة و العقل المستقيل . اما العجب العجاب أن المسؤولين على تأثيث تلك الحفلات يرفعون شعارات العقلانية و الحداثة و التقدمية ، وهي شعارات تفرض البحث و انتقاء الأعمال التي تخاطب العقل و الروح و تنهل من التراث الحافز و ترك التراث العبء كما قال المفكر و الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري في كتابه "نحن و التراث" .. مرجعية هؤلاء المزعومة تفرض عليهم تقديم عروض و مسامرات ترتقي بالحضور و تواجه الفكر المتشدد بالفكر المستنير و تسبر اغوار الروح بالموسيقى الراقية فيتشبع العقل و يرتوي القلب .. تصوّر يا حبيب الله أنّ القائمين على بعض المراكز الثقافية في تونس يتسامرون على عروض العيساوية و السطمبالي و الطرق الصوفية (توجد درجات في الانشاد الصوفي) ، اما المسامرات الفكرية فقد حوّلوها الى فداوي و حكواتيات (من حكواتي) وهذه العروض مكانها المقاهي (كما في الشرق) و ليس الفضاءات الثقافية التي تنفق عليها وزارة الثقافة من المال العام ،، و المصيبة انهم يصفون تلك الفعاليات بالروحانيات . انه تبذير المال العام عندما تكون لجنة الدعم في وزارة الثقافة دون محاسبة الى اليوم رغم أنها تتصرف في أموال طائلة تهدى حسب الولاءات و الفرز الايديولوجي و السياسي ، و هي دعوة الى مجلس نواب الشعب للنظر في وجهة أموال المجموعة الوطنية ، و كم من مخرج سينمائي تلقى أموال و لم ينجز عمله الى اليوم . اسلام الدروشة و العقل المستقيل شجع عليهما الاستعمار لضرب مقومات الاسلام الحضاري و غالبا ما كان القطاع الثقافي رهان فرنسا لنشر قيمها و حفظ مصالحها في مستعمراتها السابقة لذلك تحرص ان يكون مديروها قريبون منها. و يجد هؤلاء المسؤولون على تلك المراكز "الثقافية" حظوة لدى الاعلام فيشتغلون فيه كما يشاركون في الاعمال الدرامية رغم ان تسيير مركز ثقافي يتطلب جهدا تسبقه تصورات وافكار و اهداف لتحقيقها ،، لكن للأسف تحولت تلك المناصب الى مكافآت في حكومة الكفاءات و الأقربون أولى بالغنائم . من يصمت على التجاوزات فهو يشجع على الرداءة و تبذير المال العام ،، و هؤلاء الطارئين على التسيير الثقافي يعتبرون وزارة الثقافة بقرة حلوب . إنه الافلاس في أبهى حلة عندما يصبح ادعياء العقلانية و الحداثة يطلقون الجاوي و البخور في محفل تابع لمركز تقدمي . الثقافة تهذيب و تسوية (ثقف العود = سواه) كما جاء في لسان العرب ،، و عندما نرى وزارة الثقافة تعتني بالحجر و لا تنمي ثقافة البشر وفق رؤية و تصورات لشخصية الانسان التونسي فما الغاية من وجودها أصلا ؟ كاتب و محلل سياسي