عاجل/ وزير الشؤون الاجتماعية يعلن عن بشرى سارة للمتقاعدين في هذا القطاع..    اليوم..محاكم تونس الكبرى دون محامين..    وزير الشّؤون الاجتماعيّة: "التمديد في سنّ التّقاعد بالقطاع الخاص سيدخل حيّز التنفيذ قريبا"    تونس: في ظلّ تحقيق الاكتفاء الذاتي في مُنتجات الدواجن مساعي للتوجه نحو التصدير (فيديو)    مفزع: أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض بغزة..    تشاجرت مع زوجها فألقت بنفسها من الطابق الرابع..وهذا ما حل بمن تدخلوا لانقاذها..!!    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    حوادث/ 9 قتلى و341 جريح خلال يوم واحد..!!    شاب افريقي يقتحم محل حلاقة للنساء..وهذه التفاصيل..    لمن يهمّه الأمر: هكذا سيكون طقس ''الويكاند''    المرسى: القبض على شخصين و حجز أكثر من 130 قرصًا مخدرًا    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    بينهم ''تيك توكر''...عصابة لاغتصاب الأطفال في دولة عربية    البنك المركزي : نسبة الفائدة في السوق النقدية يبلغ مستوى 7.97 % خلال أفريل    حالة الطقس ليوم الخميس 02 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    ستيفانيا كراكسي ل"نوفا": البحر المتوسط مكان للسلام والتنمية وليس لصراع الحضارات    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    اليوم: وزارة التربية وجامعة التعليم الأساسي تمضيان اتفاقا هذه تفاصيله    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    اتفاقية تمويل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيلسوفة أم الزين بنشيخة: عدد من المسلسلات أعمال تهريجية وصناعة للاستهلاك والاثارة والفن الحقيقي يحرر الانسان من كل أشكال الاعتقال
نشر في باب نات يوم 16 - 04 - 2020


أجرى الحوار: شكري بن عيسى
▪️المتفرّج يخترعه العمل الفنّي نفسه.. ولا بد من ابتداع مخيال جديد غير الواقع التعيس
▪️المطلوب هو إيقاظ العقول والعمل على إبداع فنّ يفكّر
▪️الفن الحقيقي يحرر الحياة داخل الانسان من كل أشكال اعتقالها
▪️ينقصنا في تونس المشروع الثقافي.. ولابد من تحرير الحقل التواصلي من صنّاع الأوهام والمشعوذين
▪️بعد جائحة الكورونا لا بد ان تغيّر الفلسفة أسئلتها.. وترسّخ إتيقا لحماية الحياة من لوبيات التحكّم بالحياة
الدكتورة أم الزين بنشيخة المسكيني أستاذة التعليم العالي بجامعة تونس المنار، متخصصة في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، تدرّس فلسفة الجماليات ولها اسهامات متنوعة في المجال الفني، وتعتبر مرجعا في هذا الاختصاص بمدونة ثرية في النظرية الفلسفية الجمالية، والرواية الفلسفية والشعر الفلسفي والنقد الفني. في خضمّ "الجدل" المجتمعي القائم حول المسلسلات التلفزية التونسية، اتصلنا بها لمعرفة موقفها مما يدور وللغوص معها في المرجعيات الفلسفية التي يمكن على أساسها تعيير هذه الاعمال، وكيف يمكن تقييم هذه الاعمال فنيا. فكان لنا معها هذا الحوار:
دكتورة أم الزين أولا كيف تنظرين لتعامل وزيرة الثقافة مع الآراء التي انتقدتها ؟
أنا لا أريد أن أحشر نفسي في مثل هذه المسائل التي أعتبرها في علاقة بجدل فيسبوكي عابر، لكنّني فقط أريد أن ألاحظ ما يلي : أنّ منصب وزيرة للثقافة أو أيّ وزير آخر يفترض سياسة للتواصل وللخطاب مختلفة جدّا عن مجرّد ردود أفعال مزاجيّة لا ترقى إلى مقام المسؤولية الثقافية والسياسية عن نمط السياسة التواصلية النموذجية التي يريد المثقّف كمسؤول عن الثقافة أن يجعلها براديغما عموميا مشتركا.. فأيّ مسؤول في جهاز الدولة من المفروض ألاّ يتواصل بوصفه "شخصا" مع الناس وخاصة على الشبكة الرقمية التي تتحوّل تحت أية هفوة تواصلية إلى حقل لنشر الفضائح والتلاعب بمؤسسات الدولة.. المناصب السياسية ليست ألعوبة شخصية أو نجاح نرجسي، لذلك تتطلّب مثل هذه المسؤوليات النجاح في مخاطبة الناس دوما تحت راية الدولة التي تضعف دوما كلّما تحوّلت إلى شخص أي فرد له مصالح وأهواء وانفعالات ونقاط ضعف.. لكن لا ينبغي أن تتحوّل مثل هذه الوقائع التواصلية العرضية التي يمكن أن تحدث في أيّ دولة إلى قضية رأي عام قد تُستعمل ضدّ أشخاص بعينهم.. أولتحويل وجهة الرأي العام نحو مشاكل مغلوطة..
عموما كيف تقيمين الحوار المجتمعي اليوم حول قضية المسلسلات التلفزيونية ؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال وفق ثلاث مستويات :الأوّل خاصّ بمدى أولوية هذه المسائل "اليوم" حيث يسيطر الرعب على الجميع جرّاء هذه الوضعية الوبائية العالمية.. وفي هذا السياق يحتاج الناس إلى الفنّ خاصة بالنظر إلى إجراءات الحجر الصحي.. وهنا يمكن للمسلسلات التلفزيونية أن تكون مساحة لمصاحبة الناس في بيوتهم.. وخاصة الشيوخ منهم الذين اعتادوا على تمضية الوقت بالمسلسلات التلفزيونية.. أمّا المستوى الثاني فيتعلّق بهذه المسلسلات نفسها إن كان ضروريا إنتاج مسلسلات جديدة.. بالنظر إلى الوضع الماليّ والاقتصادي للبلاد.. وهنا مربط الفرس والسؤال حينئذ هو "هل ينبغي على وزارة الثقافة تخصيص ميزانية انتاج المسلسلات هذا العام من أجل مواجهة جائحة الكورونا؟ أم أنّه من حقّها ومن حقّ المنتجين أيضا التمتّع بمواصلة انتاجهم باعتبار الإنتاج عملهم ورزقهم معا..؟ وأنّه ينبغي على الدولة ألاّ تجعل من الثقافة قربانها الأوّل.. ثمّة وزارات أخرى.. وطرق أخرى يمكنها أن توفّر بها ما به تساعد وزارة الصحّة على مواجهة هذه الأزمة الوبائية . أمّا المستوى الثالث فيتعلّق بنوعيّة المسلسلات التي تنتجها وزارة الثقافة كلّ سنة.. هل هي أعمال فنّية تقترح على التونسيين ثقافة ذوقية طريفة، أم هي مسلسلات استهلاكية لا تفعل الاّ اجترار الواقع البائس للتونسيين وإعادته لهم في نسخة باهتة لا تضيف أيّ شيء لا إلى ثقافتهم المجتمعية ولا إلى الذائقة العامة بوصفها إمكانية لتجديد مخيال المجتمع نفسه.. كلّ حوار مجتمعي حول قضية مشتركة تمسّ الحياة العامة لمجتمع ما على الفاعلين فيه أن يتسلّحوا برؤية واضحة وبوصلة دقيقة في علاقة بثقافة ذاك المجتمع من جهة وافق انتظاره الكبير من جهة أخرى، ومساحة المعنى التي يحتلّها ذاك الحوار.. من أجل آداب نقاش عمومي ينتج صلاحية الحقيقة ضمن ألعاب اللغة الخاصة بها. غير ذلك يسقط الجميع في ثرثرة لا تنتج غير الأوهام والحمق..
▪️المتفرّج يخترعه العمل الفنّي نفسه.. ولا بد من ابتداع مخيال جديد غير الواقع التعيس
كيف تقيم الدكتورة أم الزين بنشيخة هذه المسلسلات من الناحية الفنية ؟
ثمّة ثلاثة أنواع من المسلسلات التلفزيونية التي يستهلكها التونسي بعامّة : مسلسلات مدبلجة (تركية خاصّة) وهي في تقييمي الخاص تصلح لتمضية الوقت لدى المسنّين والذين يشعرون بالملل عموما.. وهي من حيث مضمونها تعمل على تصدير مشاكل مجتمع لا نعرفه ولا ننتمي إليه.. ومن حيث السياسة الثقافية للبلاد فهي بمثابة استعمار ثقافي ينبغي التنبيه الى خطورته.. إذ وراء هذا النوع من المسلسلات أجندات تجارية تعمل لصالح لوبيات أجنبية تدخل في سياق بيع الوطن بتعويض مخياله بمخيال أجنبي.. في إطار تهميش الذكاء التونسي وابتذاله ومواصلة الاستعمار الثقافي بطرق أخرى.. ومن جهة أخرى ثمّة أموال طائلة يتمّ دفعها من ميزانية الدولة ومن رأس المال الوطني لشراء هذه المسلسلات..
أمّا النوع الثاني فهو المسلسلات التونسية التي يتمّ إنتاجها لكي تُبثّ على القنوات الرسمية.. وهي من حيث المضمون لا تفعل غير نسخ مضحك لعقلية تقليدية أو للواقع كما هو مثل "نسيبتي العزيزة".. أو "شوف لي حلّ".. أنا أعتبر هذه المسلسلات هي بمثابة أعمال تهريجية أكثر منها أعمال فنّية.. مع كامل احتراماتي لكل الفنانين والمثقفين.. وربّما من الوجيه الاعتراض بالقول من جهة أخرى أنّ المجتمع التونسي يحتاج إلى مثل هذا النوع من التهريج كي يرفّه عن نفسه.. لكن من السخافة أحيانا أن ننتج من أجل متفرّج جاهز.. ومن الابتذال أن نعتبر أنّ الترفيه هو الهدف من الأعمال الفنية.. إلاّ إذا تعلّق الأمر بسلع للاستهلاك.. ومن الحمق أيضا أن نواصل اعتبار المتفرّج إنسانا "عاميا" يتوجّب علينا الهبوط إليه.. في حين أنّ المتفرّج يخترعه العمل الفنّي نفسه وذلك من خلال توجيهه نحو مخيال جديد غير الواقع التعيس..
ثمّة نوع ثالث من المسلسلات الخاصة التي تنتجها قنوات خاصة من قبيل "أولاد مفيدة" فهذه النوعية تستعمل الإثارة والممنوع فتشتغل على مضامين اجتماعية صادمة يريد المجتمع أن تبقى مسكوتا عنها.. من قبيل المخدرات والجنس والعلاقات المعطوبة.. هذه نوعية لقيت إغراء واسعا لدى الشباب.. لكنّها لا تنتمي إلى أسئلة الثقافة الفنية بقدر ما هي صناعة للاستهلاك والاثارة علاوة على أنّها تفتقر إلى الطابع النقدي والبديل الفني عن الوضعيات الاجتماعية التي تتّخذها مضمونا لها. إنّ الخطير في هذه النوعية من المسلسلات هو أنّها في تقييمي الخاص لا تراهن على خطّة اجتماعية واضحة ولا تقترح أفقا مغايرا لتجربة المخدّرات مثلا التي صارت إلى مسألة خطيرة جدّا على الشباب في تونس.. لأنّ الفنّ ليس سلعة للاستهلاك بل هو مشروع تربوي ومسؤولية جمالية. ليس أخطر على شعب ما من القائمين على سياسات الحياة الرمزية والروحية فيه.. وفي هذا السياق كل فشل للخطّة الرمزية والروحية لشعب ما تؤدّي إلى سقوط أبنائه في كلّ أشكال السلوكات العدمية والانتحارية والمدمّرة من ذلك المخدّرات والإرهاب..
▪️المطلوب هو إيقاظ العقول والعمل على إبداع فنّ يفكّر
برأيك لماذا اليوم لا نجد مرجعيات فكرية وثقافية مختصة تشرف على هذه الاعمال ؟
لا أستطيع أن أجزم بصدد أنّ ما يحدث اليوم على الركح الثقافي الكبير لإنتاج المسلسلات التلفزية لا يملك مرجعيات ثقافية وفكرية.. لأنّ ثمّة الكثير من المنتجين والمخرجين والممثّلين يمكن اعتبارهم مبدعين ولهم مراجعهم الفنية ومتخرّجين من المعاهد العليا للفنّ والمسرح والسينما.. لكن ما ألاحظه هو افتقار المسلسلات التلفزية لرسائل مجتمعية ثقافية تجدّد الوعي الجمالي وتعمّق التجارب الرمزية العميقة الخاصة بالشعب التونسي.. إنّ استسلام الكثير من المسلسلات لثقافة كيتش والسائد والجري وراء إرضاء الناس ونيل إعجابهم.. قد عطّل هذا النوع من الإنتاج الفنّي كثيرا، وجعله كالأكلة السريعة التي تهدف إلى إشباع البطون بأكلة وهميّة.. في حين أنّ المطلوب هو إيقاظ العقول والعمل على إبداع فنّ يفكّر ويدفع الناس إلى التفكير بوضعياتهم اليومية.. وتدريبهم على تغيير أشكال بؤسهم.. واختراع الحلم في قلوبهم اليائسة ..
ما الذي يعوز هذه المسلسلات لترتقي للمعايير الفنية ؟
أنا أعتبر أنّ المجتمع التونسي ككل المجتمعات الأخرى ينقسم إلى فئتين متناقضتين : فئة محافظة ترى في نوع معيّن من المسلسلات خاصة تلك التي تزعزع القيم الأخلاقية التقليدية أو تكشف عن حدودها.. أنّها غير مناسبة لها، وفئة حداثية وشبابية ومنفتحة على الحريات والحقوق الإبداعية تستحسن هذا النوع الجريء من المسلسلات.. لكنني أعتبر أنّ كليهما لا يبحث عن المعايير الفنية بل عمّا يناسب تصور كل منهما للعالم.. وقد يصحّ القول من جهة أخرى أنّ المجتمع التونسي يعاني من نوع من السكيزوفرينيا أو الانفصام : بحيث يمكنك أن تجد فئة أخرى تكون محافظة وتقليدية ومتزمّتة، لكنّها تدمن على الأفلام الجريئة والساخرة من التصورات التقليدية للعالم.. وقد تجد شبابا داعشيا يكره الفنّ ويحرّم الموسيقى ويؤثّم كلّ أشكال الإبداع...
هل يمكن اليوم ان نأمل بتغيير في هذه المسلسلات الى أفق فني جديد مغاير ؟
هذا الأمر يبقى رهين تغيير جذري في السياسات الثقافية من جهة وذلك بإعطاء ميدان الإبداع منزلة أكبر ضمن المشاريع المستقبلية لتربية فنية شاملة تكون خطّة جوهرية تراهن عليها الدولة..
▪️الفن الحقيقي يحرر الحياة داخل الانسان من كل أشكال اعتقالها
عموما ما هو دور الفن داخل المجتمعات وفي فترات الازمات خاصة ؟
الفنّ له مهمّة أساسية جدّا في زمن الكوارث فهو يمنح الناس فسحة من الأمل ويجعل مساحة الحلم ممكنة دوما. إنّ شعبا بلا مبدعين أشبه بالعجول التي تُساق كلّ يوم إلى الذبح دون أن يشهد أيّ أحد على ذبحها.. ودون أن يكتب أيّ أحد قصّتها.. الفنّ يصاحب المتألّمين والذين يعانون من هشاشة وجودهم بل إنّ الفنّ يصلح من أجل أن يصاحبنا في كلّ أشكال الجحيم.. إنّه الوجه المشرق من الكارثة.. من دون الأغنيات سيتحوّل البشر إلى مساحات من الضجيج.. تخيّل الحياة هذه الأيّام بلا أغنيات ولا أفلام ولا روايات.. ستجد نفسك رهينا لبلاتوات تلفزية مختصّة في إحصاء عدد الموتى والمصابين وحتى كيفية دفنهم أو حرق جثثهم.. بهذا لا يمكن لأيّ أحد تحمّل هذا العالم الموبوء.. إنّ الفنّ كما أثبتت جملة مؤلفاتي في هذا الحقل من الاختصاص.. يحرّر الحياة فينا من كلّ أشكال اعتقالها.. الخوف من الوباء يعتقلنا كلّ لحظة.. أغنية من عمق المخيال يمكنها أن تحرّرنا وتحمينا من احتلال الكورونا لعقولنا ومشاعرنا..
▪️ينقصنا في تونس المشروع الثقافي.. ولابد من تحرير الحقل التواصلي من صنّاع الأوهام والمشعوذين
ما الذي ينقصنا على المستوى الثقافي في تونس ؟
ينقصنا المشروع.. ما يحدث هو بعض الطفرات والنجاحات الشخصية لمثقفين تونسيين على المستوى العربي.. وهذا فخر للثقافة في تونس.. لكن المشروع الثقافي التونسي تنقصه الإرادة السياسية من أجل جعل الثقافة رهانا مجتمعيا سياسيا.. وفي الحقيقة لقد وقع تهميش الثقافة منذ دولة العهد السابق.. وتواصل تهميشها مع كل الحكومات بعد الثورة.. لكن رغم ذلك ثمة إنجازات ينبغي التنويه بها.. ومن جهة أخرى يمكن اعتبار أنّ النجاح الثقافي لشعب ما لا يكون رهين اختيارات الدولة فقط. بحيث يمكن للثقافة أن تزدهر خارج مؤسسات الدولة.. وإنّ ثقافة المقاومة لكلّ السياسات الثقافية الكولونيالية وللوبيات العولمة لا يمكنها أن تنمو إلاّ خارج مخططات الدول..
أين يمكن أن نضع دور الفيلسوف في هذا الخضم ؟
الفيلسوف مطالب بمقاومة سياسات الرداءة المعمّمة.. بفضحها أوّلا وبكشف مغالطات الخطاب الذي يدعمها ثانيا وباقتراح سياسات جديدة للحقيقة ثالثا.. ولذلك فالفيلسوف مطالب بالتدخّل في صناعة الرأي العام وفي الدفاع عن الفلسفة في الفضاء العمومي. وهذا الأمر يستوجب تشريك المتفلسفين كخبراء في فهم ما يحدث ضمن الخطّة الإعلامية الكبرى.. وذلك بغرض تحرير الحقل التواصلي من صنّاع الأوهام والمشعوذين والزائفين ..
▪️بعد جائحة الكورونا لا بد ان تغيّر الفلسفة أسئلتها.. وترسّخ إتيقا لحماية الحياة من لوبيات التحكّم بالحياة
في ختام هذا الحوار كيف تنظر الفيلسوفة أم الزين بنشيخة لهذا الوباء العالمي وما هي رسالتها للمجتمع ؟
إنّ الإنسانية قد مرّت بالعديد من الكوارث الوبائية طيلة تاريخها.. لكنّها استطاعت دوما الانتصار عليها.. طبعا الثمن كان باهضا دوما..ملايين الموتى والضحايا.. وأزمات اقتصادية واجتماعية.. وسقوط العالم في مظاهر موجعة من البؤس الإنساني.. وها هو التاريخ يعيد نفسه في شكل وباء كورونا القاتل الذي حصد آلاف الأرواح وربّما –مع الأسف- سيحصد أكثر في الأيام القريبة.. ليس لنا خيارا آخر غير الالتزام بالإجراءات الصحية الضرورية ككلّ البشر في العالم .. والأمل في نجاح العلماء في إيجاد اللقاح المضادّ لهذا الوباء.. لكنّ الفلسفة تفكّر بالأوبئة على نحو مغاير وذلك في الدلالات التالية : أوّلا أنّ الأوبئة ليست فقط ظاهرة مرضية بل هي مساحة للتحكّم بأجساد البشر بالحجر عليها وعزلها ومراقبتها ووضعها تحت رقابة أجهزة الدولة.. ثانيا : أنّ الإنسان اكتشف فجأة أنّه مساحة واسعة لإيواء الفيروسات في حين كان يعتقد دائما أنّه أحسن الكائنات وأكملها وأنّه سيد الطبيعة ومالك لها.. ثالثا: فيروس الكورونا فرض على الناس نمط حياة جديد : البقاء في البيت، منع الحياة الجماعية.. إعادة الإنسان الى صيغة الفرد في عزلته وهشاشته.. رابعا : الأمر المثير للتفكير فلسفيا في الأمر كيف أنّ فيروسا لامرئيّا، لا يملك خلية ولا ينتمي حتى إلى الكائنات الحية.. يهدّد الحياة في جسم الإنسان الذي يغزو الفضاء ويتحكّم بالجينات ويبدّلها ويعدّلها ويستنسخها..؟ وبالتالي إنّ المطلوب في رأيي هو أن تغيّر الفلسفة أسئلتها : لن يكون ضروريا التساؤل عن مفاهيم من قبيل النفس والعالم والإله والخير والشرّ والعلامة والدلالة والمعنى والهوية والذاكرة.. بل علينا أن نفكّراليوم بالعالم الميكروبي.. بالفيروسات والبكتيريات.. بالتوازن البيئي.. بالتنوّع الحيوي.. علينا أن نخترع فلسفة جديدة ضمن براديغم فلسفة الحياة : كيف نحافظ عليها وكيف نحميها من الأمراض والأوبئة.. وكيف تكون مسؤوليّتنا أكبر على البيئة الحيوية عموما.. إنّنا نحتاج اليوم إلى التفكير بفلسفة طبّية إيكولوجية تنبّه على مخاطر التكنولوجيات الحيوية التي تتلاعب بالحياة بالتعديل والتحويل والاستنساخ.. وترسّخ إتيقا لحماية الحياة من لوبيات التحكّم بالحياة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.