تمزيق استدعاء امتحان الباكالوريا: بطاقة إيداع بالسجن في حق المعتدي ونداءات لإنصاف التلميذة    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    إسرائيل – إيران: أسبوع من الحرب ومئات القتلى… والحصيلة البشرية في تصاعد    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    من هو فريق لوس أنجلوس الذي سيواجه الترجي اليوم؟    إنتقالات: بارما الإيطالي يكشف عن هوية مدربه الجديد    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عبد المجيد العبدلي : الصواريخ الإيرانية أربكت إسرائيل وحيّرت أمريكا.. وما يحدث ليس حربًا بل عدوان مسلح    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    اتحاد الشغل يدعو إلى فتح جولة مفاوضات جديدة في القطاع العام والوظيفة العمومية    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    منظمة الأطباء الشبان تؤكد نجاح إضرابها الوطني ب5 أيام وتلوّح بالتصعيد    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    إيران: هاجمنا عاصمة إسرائيل السيبرانية    أول فريق يحجز بطاقة التأهل في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    إيران تحبط مؤامرة اسرائيلية لاستهداف وزير الخارجية عباس عراقجي    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية لأقل من 17 سنة: فوز للذكور وهزيمة للفتيات في مواجهة الأوروغواي    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    راج أن السبب لدغة حشرة: فتح بحث تحقيقي في وفاة فتاة في جندوبة    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    الدولار يتخطّى حاجز 3 دنانير والدينار التونسي يواصل الصمود    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    صابر الرباعي في افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون وكريم الثليبي في الاختتام وتنظيم معرض الاسبو للتكنولوجيا وندوات حوارية بالحمامات    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    باجة: تسجيل اضطراب وانقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    عاجل/ الإطاحة بشبكة تستقطب القصّر عبر "تيك توك" وتقدّمهم للأجانب    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيلسوفة أم الزين بنشيخة: عدد من المسلسلات أعمال تهريجية وصناعة للاستهلاك والاثارة والفن الحقيقي يحرر الانسان من كل أشكال الاعتقال
نشر في باب نات يوم 16 - 04 - 2020


أجرى الحوار: شكري بن عيسى
▪️المتفرّج يخترعه العمل الفنّي نفسه.. ولا بد من ابتداع مخيال جديد غير الواقع التعيس
▪️المطلوب هو إيقاظ العقول والعمل على إبداع فنّ يفكّر
▪️الفن الحقيقي يحرر الحياة داخل الانسان من كل أشكال اعتقالها
▪️ينقصنا في تونس المشروع الثقافي.. ولابد من تحرير الحقل التواصلي من صنّاع الأوهام والمشعوذين
▪️بعد جائحة الكورونا لا بد ان تغيّر الفلسفة أسئلتها.. وترسّخ إتيقا لحماية الحياة من لوبيات التحكّم بالحياة
الدكتورة أم الزين بنشيخة المسكيني أستاذة التعليم العالي بجامعة تونس المنار، متخصصة في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، تدرّس فلسفة الجماليات ولها اسهامات متنوعة في المجال الفني، وتعتبر مرجعا في هذا الاختصاص بمدونة ثرية في النظرية الفلسفية الجمالية، والرواية الفلسفية والشعر الفلسفي والنقد الفني. في خضمّ "الجدل" المجتمعي القائم حول المسلسلات التلفزية التونسية، اتصلنا بها لمعرفة موقفها مما يدور وللغوص معها في المرجعيات الفلسفية التي يمكن على أساسها تعيير هذه الاعمال، وكيف يمكن تقييم هذه الاعمال فنيا. فكان لنا معها هذا الحوار:
دكتورة أم الزين أولا كيف تنظرين لتعامل وزيرة الثقافة مع الآراء التي انتقدتها ؟
أنا لا أريد أن أحشر نفسي في مثل هذه المسائل التي أعتبرها في علاقة بجدل فيسبوكي عابر، لكنّني فقط أريد أن ألاحظ ما يلي : أنّ منصب وزيرة للثقافة أو أيّ وزير آخر يفترض سياسة للتواصل وللخطاب مختلفة جدّا عن مجرّد ردود أفعال مزاجيّة لا ترقى إلى مقام المسؤولية الثقافية والسياسية عن نمط السياسة التواصلية النموذجية التي يريد المثقّف كمسؤول عن الثقافة أن يجعلها براديغما عموميا مشتركا.. فأيّ مسؤول في جهاز الدولة من المفروض ألاّ يتواصل بوصفه "شخصا" مع الناس وخاصة على الشبكة الرقمية التي تتحوّل تحت أية هفوة تواصلية إلى حقل لنشر الفضائح والتلاعب بمؤسسات الدولة.. المناصب السياسية ليست ألعوبة شخصية أو نجاح نرجسي، لذلك تتطلّب مثل هذه المسؤوليات النجاح في مخاطبة الناس دوما تحت راية الدولة التي تضعف دوما كلّما تحوّلت إلى شخص أي فرد له مصالح وأهواء وانفعالات ونقاط ضعف.. لكن لا ينبغي أن تتحوّل مثل هذه الوقائع التواصلية العرضية التي يمكن أن تحدث في أيّ دولة إلى قضية رأي عام قد تُستعمل ضدّ أشخاص بعينهم.. أولتحويل وجهة الرأي العام نحو مشاكل مغلوطة..
عموما كيف تقيمين الحوار المجتمعي اليوم حول قضية المسلسلات التلفزيونية ؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال وفق ثلاث مستويات :الأوّل خاصّ بمدى أولوية هذه المسائل "اليوم" حيث يسيطر الرعب على الجميع جرّاء هذه الوضعية الوبائية العالمية.. وفي هذا السياق يحتاج الناس إلى الفنّ خاصة بالنظر إلى إجراءات الحجر الصحي.. وهنا يمكن للمسلسلات التلفزيونية أن تكون مساحة لمصاحبة الناس في بيوتهم.. وخاصة الشيوخ منهم الذين اعتادوا على تمضية الوقت بالمسلسلات التلفزيونية.. أمّا المستوى الثاني فيتعلّق بهذه المسلسلات نفسها إن كان ضروريا إنتاج مسلسلات جديدة.. بالنظر إلى الوضع الماليّ والاقتصادي للبلاد.. وهنا مربط الفرس والسؤال حينئذ هو "هل ينبغي على وزارة الثقافة تخصيص ميزانية انتاج المسلسلات هذا العام من أجل مواجهة جائحة الكورونا؟ أم أنّه من حقّها ومن حقّ المنتجين أيضا التمتّع بمواصلة انتاجهم باعتبار الإنتاج عملهم ورزقهم معا..؟ وأنّه ينبغي على الدولة ألاّ تجعل من الثقافة قربانها الأوّل.. ثمّة وزارات أخرى.. وطرق أخرى يمكنها أن توفّر بها ما به تساعد وزارة الصحّة على مواجهة هذه الأزمة الوبائية . أمّا المستوى الثالث فيتعلّق بنوعيّة المسلسلات التي تنتجها وزارة الثقافة كلّ سنة.. هل هي أعمال فنّية تقترح على التونسيين ثقافة ذوقية طريفة، أم هي مسلسلات استهلاكية لا تفعل الاّ اجترار الواقع البائس للتونسيين وإعادته لهم في نسخة باهتة لا تضيف أيّ شيء لا إلى ثقافتهم المجتمعية ولا إلى الذائقة العامة بوصفها إمكانية لتجديد مخيال المجتمع نفسه.. كلّ حوار مجتمعي حول قضية مشتركة تمسّ الحياة العامة لمجتمع ما على الفاعلين فيه أن يتسلّحوا برؤية واضحة وبوصلة دقيقة في علاقة بثقافة ذاك المجتمع من جهة وافق انتظاره الكبير من جهة أخرى، ومساحة المعنى التي يحتلّها ذاك الحوار.. من أجل آداب نقاش عمومي ينتج صلاحية الحقيقة ضمن ألعاب اللغة الخاصة بها. غير ذلك يسقط الجميع في ثرثرة لا تنتج غير الأوهام والحمق..
▪️المتفرّج يخترعه العمل الفنّي نفسه.. ولا بد من ابتداع مخيال جديد غير الواقع التعيس
كيف تقيم الدكتورة أم الزين بنشيخة هذه المسلسلات من الناحية الفنية ؟
ثمّة ثلاثة أنواع من المسلسلات التلفزيونية التي يستهلكها التونسي بعامّة : مسلسلات مدبلجة (تركية خاصّة) وهي في تقييمي الخاص تصلح لتمضية الوقت لدى المسنّين والذين يشعرون بالملل عموما.. وهي من حيث مضمونها تعمل على تصدير مشاكل مجتمع لا نعرفه ولا ننتمي إليه.. ومن حيث السياسة الثقافية للبلاد فهي بمثابة استعمار ثقافي ينبغي التنبيه الى خطورته.. إذ وراء هذا النوع من المسلسلات أجندات تجارية تعمل لصالح لوبيات أجنبية تدخل في سياق بيع الوطن بتعويض مخياله بمخيال أجنبي.. في إطار تهميش الذكاء التونسي وابتذاله ومواصلة الاستعمار الثقافي بطرق أخرى.. ومن جهة أخرى ثمّة أموال طائلة يتمّ دفعها من ميزانية الدولة ومن رأس المال الوطني لشراء هذه المسلسلات..
أمّا النوع الثاني فهو المسلسلات التونسية التي يتمّ إنتاجها لكي تُبثّ على القنوات الرسمية.. وهي من حيث المضمون لا تفعل غير نسخ مضحك لعقلية تقليدية أو للواقع كما هو مثل "نسيبتي العزيزة".. أو "شوف لي حلّ".. أنا أعتبر هذه المسلسلات هي بمثابة أعمال تهريجية أكثر منها أعمال فنّية.. مع كامل احتراماتي لكل الفنانين والمثقفين.. وربّما من الوجيه الاعتراض بالقول من جهة أخرى أنّ المجتمع التونسي يحتاج إلى مثل هذا النوع من التهريج كي يرفّه عن نفسه.. لكن من السخافة أحيانا أن ننتج من أجل متفرّج جاهز.. ومن الابتذال أن نعتبر أنّ الترفيه هو الهدف من الأعمال الفنية.. إلاّ إذا تعلّق الأمر بسلع للاستهلاك.. ومن الحمق أيضا أن نواصل اعتبار المتفرّج إنسانا "عاميا" يتوجّب علينا الهبوط إليه.. في حين أنّ المتفرّج يخترعه العمل الفنّي نفسه وذلك من خلال توجيهه نحو مخيال جديد غير الواقع التعيس..
ثمّة نوع ثالث من المسلسلات الخاصة التي تنتجها قنوات خاصة من قبيل "أولاد مفيدة" فهذه النوعية تستعمل الإثارة والممنوع فتشتغل على مضامين اجتماعية صادمة يريد المجتمع أن تبقى مسكوتا عنها.. من قبيل المخدرات والجنس والعلاقات المعطوبة.. هذه نوعية لقيت إغراء واسعا لدى الشباب.. لكنّها لا تنتمي إلى أسئلة الثقافة الفنية بقدر ما هي صناعة للاستهلاك والاثارة علاوة على أنّها تفتقر إلى الطابع النقدي والبديل الفني عن الوضعيات الاجتماعية التي تتّخذها مضمونا لها. إنّ الخطير في هذه النوعية من المسلسلات هو أنّها في تقييمي الخاص لا تراهن على خطّة اجتماعية واضحة ولا تقترح أفقا مغايرا لتجربة المخدّرات مثلا التي صارت إلى مسألة خطيرة جدّا على الشباب في تونس.. لأنّ الفنّ ليس سلعة للاستهلاك بل هو مشروع تربوي ومسؤولية جمالية. ليس أخطر على شعب ما من القائمين على سياسات الحياة الرمزية والروحية فيه.. وفي هذا السياق كل فشل للخطّة الرمزية والروحية لشعب ما تؤدّي إلى سقوط أبنائه في كلّ أشكال السلوكات العدمية والانتحارية والمدمّرة من ذلك المخدّرات والإرهاب..
▪️المطلوب هو إيقاظ العقول والعمل على إبداع فنّ يفكّر
برأيك لماذا اليوم لا نجد مرجعيات فكرية وثقافية مختصة تشرف على هذه الاعمال ؟
لا أستطيع أن أجزم بصدد أنّ ما يحدث اليوم على الركح الثقافي الكبير لإنتاج المسلسلات التلفزية لا يملك مرجعيات ثقافية وفكرية.. لأنّ ثمّة الكثير من المنتجين والمخرجين والممثّلين يمكن اعتبارهم مبدعين ولهم مراجعهم الفنية ومتخرّجين من المعاهد العليا للفنّ والمسرح والسينما.. لكن ما ألاحظه هو افتقار المسلسلات التلفزية لرسائل مجتمعية ثقافية تجدّد الوعي الجمالي وتعمّق التجارب الرمزية العميقة الخاصة بالشعب التونسي.. إنّ استسلام الكثير من المسلسلات لثقافة كيتش والسائد والجري وراء إرضاء الناس ونيل إعجابهم.. قد عطّل هذا النوع من الإنتاج الفنّي كثيرا، وجعله كالأكلة السريعة التي تهدف إلى إشباع البطون بأكلة وهميّة.. في حين أنّ المطلوب هو إيقاظ العقول والعمل على إبداع فنّ يفكّر ويدفع الناس إلى التفكير بوضعياتهم اليومية.. وتدريبهم على تغيير أشكال بؤسهم.. واختراع الحلم في قلوبهم اليائسة ..
ما الذي يعوز هذه المسلسلات لترتقي للمعايير الفنية ؟
أنا أعتبر أنّ المجتمع التونسي ككل المجتمعات الأخرى ينقسم إلى فئتين متناقضتين : فئة محافظة ترى في نوع معيّن من المسلسلات خاصة تلك التي تزعزع القيم الأخلاقية التقليدية أو تكشف عن حدودها.. أنّها غير مناسبة لها، وفئة حداثية وشبابية ومنفتحة على الحريات والحقوق الإبداعية تستحسن هذا النوع الجريء من المسلسلات.. لكنني أعتبر أنّ كليهما لا يبحث عن المعايير الفنية بل عمّا يناسب تصور كل منهما للعالم.. وقد يصحّ القول من جهة أخرى أنّ المجتمع التونسي يعاني من نوع من السكيزوفرينيا أو الانفصام : بحيث يمكنك أن تجد فئة أخرى تكون محافظة وتقليدية ومتزمّتة، لكنّها تدمن على الأفلام الجريئة والساخرة من التصورات التقليدية للعالم.. وقد تجد شبابا داعشيا يكره الفنّ ويحرّم الموسيقى ويؤثّم كلّ أشكال الإبداع...
هل يمكن اليوم ان نأمل بتغيير في هذه المسلسلات الى أفق فني جديد مغاير ؟
هذا الأمر يبقى رهين تغيير جذري في السياسات الثقافية من جهة وذلك بإعطاء ميدان الإبداع منزلة أكبر ضمن المشاريع المستقبلية لتربية فنية شاملة تكون خطّة جوهرية تراهن عليها الدولة..
▪️الفن الحقيقي يحرر الحياة داخل الانسان من كل أشكال اعتقالها
عموما ما هو دور الفن داخل المجتمعات وفي فترات الازمات خاصة ؟
الفنّ له مهمّة أساسية جدّا في زمن الكوارث فهو يمنح الناس فسحة من الأمل ويجعل مساحة الحلم ممكنة دوما. إنّ شعبا بلا مبدعين أشبه بالعجول التي تُساق كلّ يوم إلى الذبح دون أن يشهد أيّ أحد على ذبحها.. ودون أن يكتب أيّ أحد قصّتها.. الفنّ يصاحب المتألّمين والذين يعانون من هشاشة وجودهم بل إنّ الفنّ يصلح من أجل أن يصاحبنا في كلّ أشكال الجحيم.. إنّه الوجه المشرق من الكارثة.. من دون الأغنيات سيتحوّل البشر إلى مساحات من الضجيج.. تخيّل الحياة هذه الأيّام بلا أغنيات ولا أفلام ولا روايات.. ستجد نفسك رهينا لبلاتوات تلفزية مختصّة في إحصاء عدد الموتى والمصابين وحتى كيفية دفنهم أو حرق جثثهم.. بهذا لا يمكن لأيّ أحد تحمّل هذا العالم الموبوء.. إنّ الفنّ كما أثبتت جملة مؤلفاتي في هذا الحقل من الاختصاص.. يحرّر الحياة فينا من كلّ أشكال اعتقالها.. الخوف من الوباء يعتقلنا كلّ لحظة.. أغنية من عمق المخيال يمكنها أن تحرّرنا وتحمينا من احتلال الكورونا لعقولنا ومشاعرنا..
▪️ينقصنا في تونس المشروع الثقافي.. ولابد من تحرير الحقل التواصلي من صنّاع الأوهام والمشعوذين
ما الذي ينقصنا على المستوى الثقافي في تونس ؟
ينقصنا المشروع.. ما يحدث هو بعض الطفرات والنجاحات الشخصية لمثقفين تونسيين على المستوى العربي.. وهذا فخر للثقافة في تونس.. لكن المشروع الثقافي التونسي تنقصه الإرادة السياسية من أجل جعل الثقافة رهانا مجتمعيا سياسيا.. وفي الحقيقة لقد وقع تهميش الثقافة منذ دولة العهد السابق.. وتواصل تهميشها مع كل الحكومات بعد الثورة.. لكن رغم ذلك ثمة إنجازات ينبغي التنويه بها.. ومن جهة أخرى يمكن اعتبار أنّ النجاح الثقافي لشعب ما لا يكون رهين اختيارات الدولة فقط. بحيث يمكن للثقافة أن تزدهر خارج مؤسسات الدولة.. وإنّ ثقافة المقاومة لكلّ السياسات الثقافية الكولونيالية وللوبيات العولمة لا يمكنها أن تنمو إلاّ خارج مخططات الدول..
أين يمكن أن نضع دور الفيلسوف في هذا الخضم ؟
الفيلسوف مطالب بمقاومة سياسات الرداءة المعمّمة.. بفضحها أوّلا وبكشف مغالطات الخطاب الذي يدعمها ثانيا وباقتراح سياسات جديدة للحقيقة ثالثا.. ولذلك فالفيلسوف مطالب بالتدخّل في صناعة الرأي العام وفي الدفاع عن الفلسفة في الفضاء العمومي. وهذا الأمر يستوجب تشريك المتفلسفين كخبراء في فهم ما يحدث ضمن الخطّة الإعلامية الكبرى.. وذلك بغرض تحرير الحقل التواصلي من صنّاع الأوهام والمشعوذين والزائفين ..
▪️بعد جائحة الكورونا لا بد ان تغيّر الفلسفة أسئلتها.. وترسّخ إتيقا لحماية الحياة من لوبيات التحكّم بالحياة
في ختام هذا الحوار كيف تنظر الفيلسوفة أم الزين بنشيخة لهذا الوباء العالمي وما هي رسالتها للمجتمع ؟
إنّ الإنسانية قد مرّت بالعديد من الكوارث الوبائية طيلة تاريخها.. لكنّها استطاعت دوما الانتصار عليها.. طبعا الثمن كان باهضا دوما..ملايين الموتى والضحايا.. وأزمات اقتصادية واجتماعية.. وسقوط العالم في مظاهر موجعة من البؤس الإنساني.. وها هو التاريخ يعيد نفسه في شكل وباء كورونا القاتل الذي حصد آلاف الأرواح وربّما –مع الأسف- سيحصد أكثر في الأيام القريبة.. ليس لنا خيارا آخر غير الالتزام بالإجراءات الصحية الضرورية ككلّ البشر في العالم .. والأمل في نجاح العلماء في إيجاد اللقاح المضادّ لهذا الوباء.. لكنّ الفلسفة تفكّر بالأوبئة على نحو مغاير وذلك في الدلالات التالية : أوّلا أنّ الأوبئة ليست فقط ظاهرة مرضية بل هي مساحة للتحكّم بأجساد البشر بالحجر عليها وعزلها ومراقبتها ووضعها تحت رقابة أجهزة الدولة.. ثانيا : أنّ الإنسان اكتشف فجأة أنّه مساحة واسعة لإيواء الفيروسات في حين كان يعتقد دائما أنّه أحسن الكائنات وأكملها وأنّه سيد الطبيعة ومالك لها.. ثالثا: فيروس الكورونا فرض على الناس نمط حياة جديد : البقاء في البيت، منع الحياة الجماعية.. إعادة الإنسان الى صيغة الفرد في عزلته وهشاشته.. رابعا : الأمر المثير للتفكير فلسفيا في الأمر كيف أنّ فيروسا لامرئيّا، لا يملك خلية ولا ينتمي حتى إلى الكائنات الحية.. يهدّد الحياة في جسم الإنسان الذي يغزو الفضاء ويتحكّم بالجينات ويبدّلها ويعدّلها ويستنسخها..؟ وبالتالي إنّ المطلوب في رأيي هو أن تغيّر الفلسفة أسئلتها : لن يكون ضروريا التساؤل عن مفاهيم من قبيل النفس والعالم والإله والخير والشرّ والعلامة والدلالة والمعنى والهوية والذاكرة.. بل علينا أن نفكّراليوم بالعالم الميكروبي.. بالفيروسات والبكتيريات.. بالتوازن البيئي.. بالتنوّع الحيوي.. علينا أن نخترع فلسفة جديدة ضمن براديغم فلسفة الحياة : كيف نحافظ عليها وكيف نحميها من الأمراض والأوبئة.. وكيف تكون مسؤوليّتنا أكبر على البيئة الحيوية عموما.. إنّنا نحتاج اليوم إلى التفكير بفلسفة طبّية إيكولوجية تنبّه على مخاطر التكنولوجيات الحيوية التي تتلاعب بالحياة بالتعديل والتحويل والاستنساخ.. وترسّخ إتيقا لحماية الحياة من لوبيات التحكّم بالحياة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.