عاجل/ بلاغ هام من الحماية المدنيّة بخصوص التقلّبات الجوية    عاجل/ بيان إسرائيلي بشأن أسطول الصمود    عاجل/ أمطار غزيرة ورعدية تتجّه نحو تونس الكبرى وهذه الولايات..    جمال بالهادي ينسحب من تدريب اولمبيك سيدي بوزيد    كريم دلهوم مدربا جديدا لاتحاد بن قردان    عاجل/ لم يتم التعرّف على هويته بسبب آثار العنف: العثور على جثّة رجل بهذه الجهة    مشاركة تونسية مكثفة في مهرجان بوسان الدولي للفن البيئي    الحلبة: فوائد كبيرة.. لكن هذه الأضرار لا تتوقعها!    الاتحاد المنستيري يعلن عن تعيينات جديدة صلب هيئته المديرة    منظمة إرشاد المستهلك : ''غلاء اللّحوم والإنترنت يوجّع في جيوب التوانسة''    75 مدينة إيطالية تشهد مظاهرات حاشدة وإضرابا عاما ضد الحرب على غزة    QNB الشريك الداعم للبادل في تونس    صيام ربيع الثاني: برشا أجر في 3 أيّام برك...أعرفهم    نهاية العلاقة التعاقدية بين الرجاء المغربي ولسعد جردة    العثور على جثة طفل تتدلى من شجرة زيتون بالقيروان    دور الثقافة والفضاءات الثقافية تفتح أبوابها لاستقبال الراغبين في المشاركة في مختلف أنشطتها    خطير/صيحة فزع: أكثر من 50% من المؤسسات الصغرى والمتوسطة مهددة بالافلاس والاندثار..    المطر في تونس: وين كانت أكثر الكميّات حسب المدن؟    قبل ما تسكر كرهبتك.. اعمل خطوة صغيرة تحمي ''الموتور''!    الحماية المدنية: 408 تدخلات بينها 102 لإطفاء الحرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    كيفاش تعرف السمك ''ميّت'' قبل ما تشريه؟    جراية التقاعد المبكر للمرأة: شروط، وثائق، وكمية المبلغ... كل شيء لازم تعرفو    بداية مبشرة مع أول أيام الخريف: أمطار وصواعق في هذه الدول العربية    عاجل: إضراب عام في إيطاليا ...وهذا هو السبب    تاكر كارلسون يُلمح إلى "مؤامرة يهودية" وراء اغتيال تشارلي كيرك    حفل كبير اليوم في باريس... شوفو شكون من العرب في القائمة    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    تونس على موعد مع حدث فلكي غريب بدخول الخريف... الشمس تعانق خط الاستواء..شنيا الحكاية؟!    عاجل : مباريات قوية مؤجلة من الجولة السابعة في الرابطة الأولى هذا الأربعاء!    تحذير طبي جديد يخص حبوب شائعة الاستعمال بين النساء...شنيا؟    علامات خفية لأمراض الكلى...رد بالك منها و ثبت فيها ؟    القصرين: تراجع إصابات داء الكلب وتواصل الحملة الوطنية للتلقيح    قفصة: تسجيل رجّة أرضية بقوّة 3،2 في الساعات الأولى من صباح الإثنين    انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية    تواصل ارتفاع أسعار السيارات الشعبية في تونس.. وهذه أحدث الأسعار حسب الماركات..    الدورة الاولى لصالون الابتكارات الفلاحية والتكنولوجيات المائية من 22 الى 25 اكتوبر المقبل بمعرض قابس الدولي    محاولة تهريب أكثر من 500 كغ من المخدرات: الاحتفاظ بموظفة في شركة خاصة وموظف في الديوانة    تنبيه/ احتجاجات وغلق لهذه الطريق..#خبر_عاجل    5 سنوات سجناً لشيخ حاول اغتصاب طفل بحديقة الباساج    أحكام بين 10 و20 سنة سجنا في قضية تهريب مخدرات أطيح بأفرادها عبر "درون"    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    عاجل/بالفيديو: رصد طائرات مسيّرة تحلّق فوق سفن أسطول الصمود..وهذه التفاصيل..    أول تعليق من أمريكا بشأن اعتراف "حلفائها" بدولة فلسطين    عاجل/ آخر مستجدّات فقدان مهاجرين تونسيّين في عرض البحر منذ أسبوع..    أول لقاء علني بعد الخلاف.. تأبين الناشط اليميني كيرك يجمع ترامب وماسك    من برلين إلى لندن: الطيران الأوروبي في قبضة هجوم سيبراني    طقس الاثنين: خلايا رعدية وأمطار غزيرة محليا مع تساقط البرد... التفاصيل    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    عاجل: التيارات الباردة تدخل من طبرقة وعين دراهم.. بداية الاضطرابات الجوية    قابس...انطلاق الاستعدادات للموسم السياحي الصحراوي والواحي    حافلةُ الصينِ العظيمةُ    لأول مرة في تاريخها ...التلفزة التونسية تسعى إلى إنتاج 3 مسلسلات رمضانية    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بن سدرين: بن حميدان ينتصب زعيما جديدا للمنادين بتصفية مسار العدالة الانتقالية
نشر في باب نات يوم 06 - 06 - 2020


سهام بن سدرين
رئيس هيئة الحقيقة والكرامة
هل هو من باب الدفاع عن الدولة أو على الفاسدين؟
تولى المحامي بباريس والنائب المؤسّس والوزير الأسبق لأملاك الدولة، السيد سليم بن حميدان شن هجوم عشوائيّ على مسار العدالة الانتقالية مُدّعيا أن التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة يتضمّن "معلومات مغلوطة... وغير مطابقة للحقيقة " في معالجتها لملف البنك الفرنسي التونسي، مُتَّهما الهيئة بأنها " انتصبت من خلال تقريرها خصما للدولة ". لينتهي بمطالبة السلطة التنفيذية ب" عدم نشره بالرائد الرسمي "
هل يستهتر السيد بن حميدان بالرأي العام عند خوضه في ملف البنك الفرنسي التونسي على الملأ وعلى هذا النحو؟ وهل تبقّى له أنْ يُدلي في هذا الموضوع بالنّصح والدرس بعد إخفاقه في معالجة قضية باشرها بنفسه بوصفه عضو حكومة أفرزتها الثورة؟ وهل يظن أنّ الأحكام المتشنّجة ستُغنيه عن تقديم استفسارات مقنعة على تستّره على منظومة الفساد التي عبثت بالبنك الفرنسي التونسي طيلة عشرات السنين؟
لا يهمُّنا الخوض في مرامي السيد بن حميدان وخلفيات تهجمه على إحدى أبرز مرتكزات الانتقال الديمقراطي كما لا يهمّنا تقدير مدى تطابق موقفه هذا مع الشعارات التي يرفعها أو الانتماءات التي يتلون بها. سنكتفي بشرح بعض الحقائق لإنارة الرأي العام.
يبدو أنّ النائب المؤسّس والوزير الأسبق لأملاك الدولة، السيد بن حميدان لم يطلع بالقدر المطلوب على قانون العدالة الانتقالية الذي حدّد الانتهاك على أنّه « كل اعتداء جسيم أو ممنهج على حق من حقوق الإنسان صادر عن أجهزة الدولة أو مجموعات أو أفراد تصرفوا باسمها أو تحت حمايتها وإن لم تكن لهم الصفة أو الصلاحية التي تخول لهم ذلك"(الفصل3).
فهو يخلط بين الدولة ومن تصرّف باسمها ضد مصلحتها أي بين الدولة وبين السلطة، يمكن أن تكون سلطة مستبدّة وفاسدة ولا تُلزمُ الدولة التي تخلّصت منها بثورة الشعب. غير أنّه علينا ألاّ نستخفّ بظاهرة الخلط هذه لأنّها تبدو لنا منذ بدايتها مقصودة. فهي في حقيقة الأمر نفس الظاهرة التي رأيناها تعمل بإتقان وباستمرار بغية التراجع عمّا تحقّق إلى حدّ الآن من منجزات العدالة الانتقالية.
كما صنّف المشرّع الفساد المالي والاعتداء على المال العام "كاعتداء جسيم" (الفصل 8) وأوكل لهيئة الحقيقة والكرامة مهمة " تحديد مسؤوليات أجهزة الدولة أو أي أطراف أخرى في الانتهاكات المشمولة بأحكام هذا القانون وتوضيح أسبابها واقتراح المعالجات التي تحول دون تكرارها مستقبلا" (فصل 39)
والثابت أنّ السيد بن حميدان لم يقرأ بتروّي التقرير الذي قدمته الهيئة في شأن قضية البنك الفرنسي التونسي خلال انعقاد الندوة الختامية لأعمالها في 14 و 15 ديسمبر 2018 والتي اشرف عليها جميع الأعضاء الهيئة (بما في ذلك العضوة التي استيقظت من غيبوبة مصلحية واختلقت سردية مزيفة لجميع أعمال مجلس الهيئة، خدمة لمصالح اللوبيات المعادية للمسار)، ولا المجلد الثالث (ص51-62) المخصص لتفكيك منظومة الفساد في تقريرها الختامي الشامل.
كما أنّه لم يطلع على قرار الأمم المتحدة عدد A/HRC/20/23 حول الديون غير الشرعية ولا على المبادئ التوجيهية بشأن الديون الخارجية وحقوق الإنسان A/HRC/RES/34/33GE.17-05593
التستر على تورط كبار المسؤولين في الدولة والمقربين من السلطة
اعتبرت الهيئة في تقريرها أنّ قضية البنك التونسي الفرنسي تمثل "حالة نموذجية للفساد المستشري في المؤسسات العمومية" وتجمع الجرائم سوء استخدام النفوذ لمسؤولين حكوميين، والتواطؤ بين السلطة السياسية والقطاع الخاص في ارتكاب جريمة اختلاس، وتوظيف القضاء، وخيانة مؤتمن في إدارة الأموال العمومية، وإحداث مخاطر تُهدّد البنك المركزي التونسي في قدرة الدولة على الخلاص واستقرار النظام المالي الوطني.
تتعلق قضية البنك الفرنسي التونسي(BFT) بنزاع استمر لمدة 36 عامًا بين السلط التونسية ومجموعة الاستثمار العربية للأعمال التجارية (ABCI) تحت غطاء "الدفاع عن المصالح العليا للدولة". وإن كان الجانب المالي للنزاع عند انطلاقه سنة 1982 في حدود المليوني دينار ونصف (2,5 )، فصار اليوم دافعو الضرائب التونسيون مهددّون بدفع أكثر من مليار دينار فيما يخص الضرر المباشر، في حين أن الضرر غير المباشر الملحق بالدولة التونسية قد يتجاوز أضعاف هذا المبلغ ( انظر الوثيقة D4 ). كما عرضت الهيئة شرح مفصل لهذا الملف في الندوة الختامية التي نظمتها ايام 14 و15 ديسمبر 2018 وقدمت للعموم التسلسل الزمني لأطوار هذه القضية التي وقع فيها سطو السلطة على أموال المستثمرين ليوزّع مقدرات البنك على أكثر من 60 منتفع من رجال أعمال من حاشية السلطة آنذاك ومن بينهم من هو اليوم مرشح لشراء « دار الصباح » دون تسديد ديونه.
ولم تتوقف التجاوزات مع سقوط نظام بن علي إذ مُنح لموظفي البنك خلال عامي 2011 و2012 قروضا دون ضمانات، تتجاوز 8 ملايين دينار، من أجل كسب صمتهم (انظر وثيقة F6 ). وقُدّرت القروض غير المسدّدة والتي صُنّفت غير قابلة للاستخلاص بمبلغ 480 مليون دينار، وهذا بالنسبة لبنك لا يتجاوز رأس ماله المسجل 5 ملايين دينار.
إن البنك الفرنسي التونسي هو اليوم في حالة عجز مالي كبير ناتج بالأساس عن تبذير ثروته البنك من خلال منح قروض دون ضمانات لأعيان نظام بن علي وغياب آليات الحوكمة في التسيير (أنظر الوثيقة K11 ). وأفاد السيد شاذلي العياري، محافظ البنك المركزي التونسي خلال جلسة برلمانية يوم 16 ماي 2017 ، (من الدقيقة 3:38 إلى 7:22): " إن مشكلة BFT مشكلة كبيرة. إنه بنك يخسر 100 ألف دينار يوميًا... ويّمول البنك المركزي عن مضض" هذا العجز للبنك الفرنسي التونسي من المال العام.
إلا أنّ الحكومات المتعاقبة استمرّت في سياسة الهروب إلى الأمام ومتابعة استراتيجية التقاضي الدائم دون اعتبار التكاليف الباهظة لأتعاب مكاتب المحاماة التونسية والبريطانية بالعملة الصعبة غير مبالين بإمكانيات الصلح مع الخصم. ويبدو أن هذا التعنّت مردّه التهرب من أعمال الرقابة والتدقيق (المعطّلة حتى يومنا هذا) وقد يكون تخوّفا من انكشاف تورط كبار المسؤولين في الدولة والمقربين من السلطة.
تقاعست مؤسسات الدولة خلال سنوات 2011 و2012 و2013 عن متابعة المتسببين في تبديد مقدرات البنك لإرتباطهم بمراكز النفوذ ولم تظهر أغلب الوثائق إلا بعد وفاة مدير الشؤون القانونية للبنك المركزي الذي أوكلت له إدارة البنك الفرنسي التونسي خلال سنوات إسناد القروض المشبوهة. والغريب في الأمر انه كلف نفس الشخص بمتابعة ملف التحكيم في تضارب واضح للمصالح ببعض المتسببين في الإضرار بالبنك وبالتالي بالمالية العمومية (أكثر من 700 مليون دينار كلفة مباشرة لحد الآن إضافة إلى مصاريف التقاضي) والمتواجدين في مراكز القرار يحاولون بشتى الطرق دفن الملفات والتجاوزات من خلال الدفع إلى تصفية البنك.
أحالت هيئة الحقيقة والكرامة على أنظار الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية في المحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 31 ديسمبر 2018، وفي ختام أعمال التحقيق والتحري التي أجرتها، لائحة اتهام تتضمّن المرجع 69 وتتعلّق بالانتهاكات التي ارتكبها كبار المسؤولين في قضية البنك الفرنسي التونسي (BFT) مظروفة بالاستدعاءات التي وجهتها الهيئة لجميع الأطراف المعنية بهذه القضية ومحاضر الاستنطاق لكل من استجاب للاستدعاءات.
الدولة غير مسؤولة على جرائم الدكتاتورية وعليها أن تأخذ مسافة منها عوض التغطية عليها
يتجاهل السيد بن حميدان أنّ المركز الدولي لفضّ نزاعات الاستثمار (CIRDI) أصدر حكمه ضد الدولة التونسية في جويلية 2017 – شهورا قبل صدور تقرير هيئة الحقيقة والكرامة في مارس 2019 - وهو بصدد تحديد قيمة الضرر الحاصل للخصم ومن شأن هذه القضية أن تجبر الدولة التونسية على دفع تعويضات بآلاف ملايين الدنانير.
في قرارها التحكيمي الصادر في 17 جويلية 2017 أثارت المحكمة (CIRDI) مسألة "إنكار العدل" ( déni de justice) من قبل الدولة التونسية التي خرقت القانون التونسي والقانون الدولي فيما يتعلق بحق الملكية. وهذا أخطر ما ضمنه القرار التحكيمي لأنّه يضع في الميزان مصداقية الدولة التونسية كدولة مقيدة بالقانون الذي وضعته. إنّ مسؤولية الدولة في إقامة العدل وحماية حق التقاضي أمام سلطة قضائية مستقلة هي أهم المعايير المعتمدة في المعاملات الدولية وأوّل ما يطالب به المستثمرون الأجانب حين يأتون للقيام بالاستثمار في تونس.
وعوضا عن سياسة النعامة، كان من الاجدى انتهاج سياسة اسلم تتمثل في الاعتماد على القانون الدولي الذي يُعفي الدول من استخلاص الديون غير الشرعية. وذلك بالاعتماد على المعايير الدولية التي تعتبر ديون غير شرعية تلك التي تحصل في غياب موافقة المواطنين (عن طريق البرلمان) و عدم وجود استفادة للشعب وأن الدائنين كانوا على علم بغياب الموافقة والفوائد. (قرار الأمم المتحدة 40 / 8 المؤرخ 22 مارس 2019 المتعلق بآثار الديون الخارجية للدول وما يتصل بها من التزامات مالية دولية أخرى عليها، في التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، وبخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.)
ويقتضي الحرص على مصداقية الدولة الاعتراف بما اقترفه بعض موظفين في الدولة باسمها من انتهاكات في عهد الدكتاتورية، تضرّرت منها، وأخذ مسافة من هذه الممارسات المضرّة بمصلحة الدولة وهي أسلم سياسة يجب أن تنتهجها الحكومة التونسية اليوم.
ولضرورة انتهاج هذه السياسة، من المريح أن تعتمد الحكومة على تقارير هيئة الحقيقة والكرامة بوصفها هيئة عمومية مستقلة وآليةٌ معترفٌ بها أمميّا لمعالجة إرث الماضي، وعلى القضية المنشورة أمام الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، لإثبات إدانتها، كدولة، للفساد الذي سيطر على هذه القضية وعدم تحملها المسؤولية السياسية في هذا الملف والنتائج المالية لجرائم الدكتاتورية.
إنّ الدولة التونسية ضحية فساد على معنى قانون العدالة الانتقالية وهي غير مطالبة بتسديد الديون غير الشرعية، ومن الواضح أنّ المصلحة العامة كانت تقتضي الاعتراف بالفساد الحاصل وإرجاع البنك إلى أصحابه مع تمكين الخصم من مطالبة الأطراف المتسببين في الإفلاس بتسديد ديونهم. إلا أن المشرفين على هذا الملف في الحكومات المتعاقبة بعد الثورة خيروا تحميل الدولة التونسية مسؤولية هذه الديون مقابل تبييض الخواص الفاسدين الذين استفادوا بطرق غير شرعية من القروض كما تثبته الوثائق القضائية.
الدعوات اليائسة لعدم نشر تقرير الهيئة في الرائد الرسمي خرقا سافرا للقانون
يحق للأشخاص عدم الموافقة على المحتويات التي جاء بها التقرير كما يحق لهم انتقاد أداء أي مؤسسة رسمية، ولكن لا يحق لأي شخص التدخل في محتوى التقرير أو تغييره أو التشكيك في نزاهته والحال ان مجلس هيئة الحقيقة والكرامة قد صادق عليه بغالبية أعضائه في 30 ديسمبر 2018 طبقا لما هو مُدوّن في محاضر الجلسات.
صدر التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة في خمسة أجزاء بمجموع 1866 صفحة (دون احتساب الملاحق)، وعالج انتهاكات حقوق الانسان وحقوق اقتصادية ومالية أُرتكبت خلال أكثر من 57 سنة، ولم نسمع لمن تحركت نوازعهم الوطنية مؤخرا صوتا أو تحليلا يتعرض لأصل الملفات المثارة. وعليه نشير إلى أن إقامة العدل ورد الحقوق لأصحابها من أهم ركائز الدولة ومصلحتها العليا. حماية الفساد والفاسدين لا يمكن أن يمثل جزءا من ذلك.
إن أي حديث عن تجربة ثانية في العدالة الانتقالية هو دعوة صريحة لتصفية التجربة التونسية وهي تصب في مصب تلك التي سبق وأن رفعها أتباع النظام السابق المتعهدين بضمان إفلات الجلادين والفاسدين من العقاب، وهو ما يعني بكل وضوح الرغبة في الاستفادة من آليات الاستبداد والفساد وتكرارها لضمان الوصول إلى السلطة أو الاستمرار في الحكم.
لن يفلح سعي هؤلاء لقبر تطلّعات أجيال من الضحايا في ردّ الاعتبار ونسف إرادة الشعب في معرفة الحقيقة ومنع إرساء مؤسسات وآليات بديلة من أجل تحصين الدولة ضدّ سطوة الفاسدين على القرار الوطني وعلى موارد البلاد والعبث بمستقبل الأجيال الصاعدة. الشعب اصبح يقظ والمجتمع بالمرصاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.