[دخالد الطراولي] يمر المشهد بأزمة مواقع ، أكثر من أنها أزمة مشاريع وهنا حقيقة مربط الفرس في فهمنا لهذه التجاذبات الكارثية على الإستقرار وأمن البلاد، فلو كانت البرامج موجودة إطارا وفعلا لما تداعى كل طرف الى هذا الصراع النابع من حالة الفراغ البرامجي. آخر محطات هذا الصراع وهذا التصعيد ولعلها الأخيرة قبل الدخول في مشهد جديد ومختلف وأكثر ارتباكا، هو القيام بسحب الثقة من رئيس البرلمان من قبل مشاركة أطراف في الحكومة فيه وهو لعمري صورة غريبة وعجيبة للإتلاف حاكم جمع كل شيء إلا أنه ائتلاف! بما يعنيه الائتلاف من تناغم وانسجام وتضامن...إعلان مجلس شورى النهضة عن تكليف رئيس الحركة لتوليفة حكومية جديدة والحكومة قائمة! اجتماع رئيس الدولة مع رئيس الحكومة بمشاركة الامين العام للأتحاد لمعالجة اشكال سياسي وليس نقابي، ورفضه لأي تغيير على رأس الحكومة، وأخيرا رد رئيس الحكومة الناري بتغيير وزاري نراه استبعادا لوزراء النهضة... كل هذا التصعيد وحالة التوتر التي طالت كل المشهد وكل الفاعلين في قرطاج وباردو والقصبة تمثل ولا شك انعطافا خطيرا ودخول منطقة عاصفة وفتح باب للمجهول وهذا يدفع ولا شك النهضة التي تجد نفسها في قفص الاتهام والعزلة والموقف الضعيف والخيارات المحدودة...حسب رأي خصومها! في تقديري أن هذا الزاوية التي تركن إليها النهضة وكانها اضطرارا والتي تظهر وكانها دفعت اليها دفعا، لعله في الحقيقة هو خلاصها الذي تريده، وهو الموقع الذي تسعى اليه حقا وعجزت عن الوصول اليه! لن أتفاجأ بأنه هذا ما تريده النهضة ولعلها تسعى إليه وتدفع الآخرين الى الوقوع فيه والامضاء عليه ولعلهم وقعوا فيه! السيناريو المرتقب لحركة النهضة * تقبل النهضة خروج رئيسها من رئاسة البرلمان بكل روح رياضية مع بعض التذمرات، مع إشارتها الداهية أن هذا المطلب هو أيضا مطلب التجمعيين. * قبولها الخروج من الحكم والتجاءها الى صف المعارضة وترك المشهد كلية حكومة وبرلمانا في أيدي كل من التيار والشعب وبقية المكونات والبقاء على الربوة، في انتظار أيام أفضل وفصل حصاد مرتقب! وهذا ما يجعلها تبعث برسائل متعددة إلى الراي العام : * هي لا تريد البقاء في ائتلاف مغشوش يبني على الفراغ، فهي تحسن صورتها بانها لا تبقى في الفراغ وتريد خدمة البلاد ولا تعطل الحكومة. * اضهار الاخرين على ان طلباتهم تلتقي مع مطالب التجمع وبالتالي ضرب في مقتل لكل طهورية اوثورية معلنة. * وضع خصومها في الحكم امام تحدي مقاومة الفساد والظهور بصورة المقاوم والرافض للفساد، برفضها اولا قبول العمل مع رئيس حكومة يعاني من شبهات فساد ثم بوضعهم امام الشعب على اساس ان اياديهم ترتعش امام المقاومة الحقيقية للفساد. * تترك لهم حكم البلاد في ظرفية اجتماعية واقتصادية كارثية، تتطلب اجراءات وقرارات صعبة وخطيرة على استقرار البلاد الاجتماعي والاقتصادي، تمس المواطن على اختلاف طبقته في حياته وحتى في وجوده وخاصة الفئة الفقيرة منه. * تضرب عصافير كثيرة بحجر واحد فهي تجعل الحكم في أيدي قرطاج والاتحاد والتيار والشعبي وآخرين، وخاصة الرئيس فهي تجبره إلى تحميله هذا الخيار وتدفعه الى الحكم الفعلي للبلاد. * تتجنب صراعا مع الاتحاد في ظل قرارات اجتماعية قادمة. * تضميد الداخل النهضوي وتوحيد صفه امام الاعداء والخصوم الذين يريدون جلدها، فيربح الأستاذ الغنوشي تاجيل المؤتمر او الحصول على مواصلة لرئاسة الحركة بااغلبية مريحة عبرتغيير القانون الداخلي للحركة. ختاما وفي تقديري أن في هذا الصراع المغشوش وغير المقبول والذي يمثل فضيحة المشهد السياسي اليوم، الخاسر الكبير هو المواطن والوطن، فلا النهضة تربح وهي على الربوة والوطن ينهزم، ولا خصومها يربحون بتفردهم بالسلطة، أزعم ان التاريخ لن يكتب إلا صفحات رمادية عن الجميع، أحزابا وحكومة واتحادا، قرطاج وباردو والقصبة، وأن المراهقة السياسية لا تبني الأوطان وأن المصالح الحزبية والفردية على حساب الوطن خنجر في جسد وطن منهك وجريمة في حق مواطنيه. الوطن في حاجة إلى الصادقين ولعله العنصر المفقود أو المغيب اليوم إلا من رحم ربك.