عاجل/ وقفة احتجاجية بساعتين داخل المؤسسات التربوية وأمام المندوبيات الجهوية..    أكثر من 100 قضية مخدرات في المؤسسات التربوية... ووزارة الداخلية عندها خطة صارمة...شنيا؟!    بوبكر بالثابت في أوّل ظهور إعلامي بعد انتخابه: أربع أولويات عاجلة واستقلالية تامّة للمحاماة    عاجل: وزارة الداخلية توقف أبرز المضاربين وتحرر محاضر عدلية..شنيا لحكاية؟!    عاجل/ بالأرقام: عائدات السياحة والعمل إلى حدود سبتمبر الجاري    عاجل: مشروع ''تطبيقة'' لإعلام المواطنين بالتأخيرات والتغييرات في وسائل النقل يدخل حيز التنفيذ قريبا    تونس/اليابان: جناح تونس ب"إكسبو 2025 أوساكا"يستقبل أكثر من 500 ألف زائر    عاجل/ بالفيديو: 13 سفينة من أسطول الصمود تغادر تونس نحو غزة..وهذه آخر المستجدات..    عاجل/ رجّة أرضية بقوة 5.2 درجة قبالة السواحل الليبية..    تفاصيل جديدة عن المتهم بقتل تشارلي كيرك..#خبر_عاجل    عاجل/ انتخاب هذه الشخصية رئيسا للجامعة التونسية لكرة القدم..    بعد الظهر...خلايا رعدية مصحوبة بأمطار في المناطق هذه    عاجل و مهم : ابتكار طبي جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق    في بالك تفاحة وحدة في النهار.. تقوي قلبك وتنظّم وزنك!    مهندسون تونسيون يطورون جهازا للتحليل الطبي عن بعد    منظمة إرشاد المستهلك تدعو إلى الامتناع عن أي تعامل اقتصادي مع الشركات الداعمة للكيان    تنبيه/ اضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق..    الرابطة الثانية: تعديل في برنامج مواجهات الجولة الإفتتاحية    كأس إفريقيا للأمم لكرة اليد أكابر: المنتخب الوطني في تربص اعدادي بقرمبالية من 15 الى 19 سبتمبر    تونس تحرز ميدالية فضية في البطولة العربية للمنتخبات لكرة الطاولة بالمغرب    بطولة العالم لألعاب القوى: مروى بوزياني تبلغ نهائي سباق 3000 متر موانع    الدورة الرابعة للصالون الدولي للسيارات بسوسة من 12 الى 16 نوفمبر المقبل بمعرض سوسة الدولي    اعتقال مديرة مكتب وزيرة إسرائيلية في فضيحة فساد ومخدرات    شركة نقل تونس توفّر 140 حافلة و68 عربة بالشبكة الحديدية بمناسبة العودة المدرسية..    وزير التربية: العودة المدرسية الجديدة تترافق مع عدة إجراءات تنظيمية وترتيبية    عشرات الجرحى والشهداء في غارات للجيش الصهيوني على قطاع غزة    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    القبض على المتورط في عملية السطو على فرع بنكي في بومهل    عاجل/ وفاة عامل وإصابة آخريْن في حادث بمصنع في هذه الجهة..وهذه التفاصيل..    كفاش تتعامل العائلة مع نفسية التلميذ في أول يوم دراسة؟    البطولة الإسبانية : برشلونة يفوز على فالنسيا 6-صفر    عاجل: قمة عربية إسلامية في الدوحة...شنيا ينجم يصير؟    سوسة: تسجيل 14 مخالفة خلال عملية مراقبة اقتصادية مشتركة    لمستعملي الطريق : شوف دليلك المروري قبل ''ما تغرق في الامبوتياج'' ليوم ؟    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    الاحتلال يعيق وصول المعلمين إلى مدارسهم بسبب إغلاق الحواجز    بطولة سانت تروبي للتنس: معز الشرقي يستهل مشواره بملاقاة المصنف 175 عالميا    الرابطة الأولى: إتحاد بن قردان يحتج على صافرة بولعراس .. ويطالب بنشر تسجيل غرفة الفار    من حريق الأقصى إلى هجوم الدوحة.. تساؤلات حول جدوى القمم الإسلامية الطارئة    من مملكة النمل إلى هند رجب ...السينما التونسية والقضية الفلسطينية... حكاية نضال    "دار الكاملة" بالمرسى تفتح أبوابها للجمهور يومي 20 و 21 سبتمبر    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    سوق المحرس العتيق...نبض المدينة وروح التاريخ    بطاقة إيداع بالسجن ضد شاب هدّد دورية أمنية بسلاح وهمي: التفاصيل    لماذا يرتفع ضغط الدم صباحًا؟ إليك الأسباب والحلول    مدنين: غدا افتتاح السنة التكوينية الجديدة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة ببعث اختصاص جديد في وكالات الاسفار وفضاء للمرطبات والخبازة    ينطلق غدا: تونس ضيفة شرف الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي الدولي    إنتاج الكهرباء في تونس يرتفع 4% بفضل واردات الجزائر    ارتفاع طفيف في الحرارة يوم الأحد والبحر قليل الاضطراب    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    العجز الطاقي لتونس ينخفض مع موفى جويلية الفارط بنسبة 5 بالمائة    محمد الجبالي يوضح: لم أتهم فضل شاكر بالسرقة والتشابه موجود    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    وزارة الصحة تطلق خطة وطنية للتكفل بمرضى الجلطة الدماغية    السبت: حالة الطقس ودرجات الحرارة    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصافي سعيد: المثقّف المغترب في صحراء البرلمان التونسي
نشر في باب نات يوم 07 - 08 - 2020


أيمن عبيد (*)
ليست المرة الاولى التي يشغل فيها المفكر والبرلماني التونسي الصافي سعيد، صفحات التواصل الاجتماعي واروقة الفايسبوك، ولن تكون المرّة الأخيرة التي تضيع فيها المعاني وتتلاشى فيها كل التعابير، في خضم صخب "الهوليغانز" السياسي، من أولئك الذين لا مدخل لهم لفهم اي معطى كان، الا من بوابة العاطفة المنفعلة او من قوس الغريزة الانتهازية، فإنحصر تعاطيهم كعادته بين ثنائية الشيطنة والتمجيد، اللّتان لازالتا تكبّلان الوعي الجمعي التونسي في أغلال الغلوّ، وتمنعانه من أي تشكّل سليم، فما الفاعلون في الشأن العام بأنبياء ولا هم بشياطين، كما عنون الصافي كتاب "الحمى 42".
غير ان بعض المشاهد كما كان يردد المرحوم حسنين هيكل مرارا، اذا نجحنا في تفكيك طلاسمها، فإنها لن تفسّر لنا تفاصيل لحظة التقاطها فحسب، انما قد تبوح لنا بمكنونات مرحلة بحالها او ظاهرة بعينها.
ولعل مقطع الفيديو ذاك، الذي لم يتجاوز ال15 ثانية، كان من تلك الطينة التي ذكرنا، اذ كان بين حناياه محمّلا بمتناقضات عجيبة تعبّر عن مجاز عميق. فقد ظهر لنا الكاتب الكبير لوهلة وكأنّه يصارع قلمه ويغالبه ثم ينتهي بأن يُلجمه ويسكته، وهو خليله الذي ناجز به الحياة واختط به مجده، فشكّل به مصائرا وهدّم به أخرى. لابد انه لم يكن من الهيّن على محارب ان يغمد سيفه، ولا كان من اليسير على كاتب ان يُلجِم قلمه، الا أن الوضع كان استثنائيا.
فلو وضعنا هذا المشهد في سياق انه التقط خلال الجلسة الختامية لدورته البرلمانيّة الاولى، لوجدناه ابلغ التعابير وادقّها، بل وأجدر الصور بأن تكون غلافا، لرواية: "سنة أولى ممارسة سياسية للمثقّف التونسي"
فلا بد أن التجربة الديموقراطية التونسية، في حاجة ماسة لما يشابه "المثقّف العضوي" لدى "أنتونيو غارمشي"، او نسخة وطنية مقتبسة من "المثقف العمومي" لدى "ماكس فيبر". ولا بد ان طليعة من المثقفين التونسيين، قد شرعت فعلا في اقتحام فضاءات العمل السياسي المباشر، من أمثال جوهر المباركي والحبيب بوعجيلة وعلى رأسهم الصافي سعيد.
غير أن هذا الانتقال من ترف التنظير والتحليل ومساحات التجريد عموما، الى ساحة الاشتباك السياسي من المسافة صفر، مسار شاق ومخاض ومعاناة، حوصلها مشهدنا المذكور في نقطتين اثنتين:
1-المثقّف المُبتعد:
بداية، دلالة ما عوّدنا به الصافي واعتاده، من التنائي بنفسه الى طرف المجلس، وكأنه نخلة الرّصافة في زهراء قرطبة، فيحيلنا ذلك على حالة الغربة والاغتراب التي يعيش، وتلك صورة اعتبارية تعكس الموضع الحالي للفكر والمثقفين في ساحتنا السياسية القاحلة، الخالية من أيّة مضامين او رؤى، والغارقة في البراغماتيات اللحظية، المنجرفة وراء المجاراة والمعالجات السريعة، بما يجعل كل ما يحمله المثقّف من زاد معرفيّ يفقد قيمته، بل ولعله يتحول الى حمل وزِينٍ يُثقل صاحبه ويكبّله، فيجعل منه آخر المتخلفين في مضمار المائة "تكانبينة" حواجز، حيث لا وقت للتوقف عند الأحداث والتمعّن في سياقاتها، ولا حاجة لعرضها على نماذج تفسيرية لفهم مآلاتها، وانما الشطارة كل الشطارة، في الأقدر على التنصّل من الوعود والانقلاب على العهود، والتملّق والتصنّع.
كما ان حرصه الدائم على الانتصاب في اعلى نقطة في المجلس، ربما يعكس كبرياء واستعفاف المثقفين من الخوض مع الخائضين، ولكنه قد يجد كذلك ما يفسّره في الفضول المعرفي لدى الكتّاب، الذين يحرصون على الفهم والاستنباط من خلال مراقبتهم لكل تفاصيل المشهد، اكثر من حرصهم على المشاركة في صناعته او اعادة تشكيله، فهم جنس فريدٌ من البشر يبحثون في كل حدث او صورة، عن مصدر الهام لقصة او رواية جديدة، تحرر صراعهم النقديّ مع الواقع من ضيق اللحظة التي قد ينهزمون فيها، وتدفع بمعاركهم الى قاضي التاريخ حتى يثأر لهم ويخلّد نصرهم.
2-المثقّف المُبعد:
وأما الملاحظة الثانية، فظهوره وهو يتصبّب ارتباكا وتردّدا وكأنه مطارد مراقب -وقد كان من صوّره فعلا يراقبه- وذلك في اتصال بالنقطة الاولى من تجليات الاغتراب الذي يعيشه المثقفون لا ريب، ولكن ايضا محاكاة لما يلحقهم من استهداف. فعلاوة على عرضتهم الدائمة لمحاولة الترويض والتطويع، كأبواق تسويغ وتبرير، لواقع لا يساهمون في صياغته ولا قول لهم في تشكيل ملامحه.
فإن الخطاب النخبوي في حد ذاته مستهدف بحملات ترذيل عاتية ، فتلك سمة أساسية لعصر الشعبوية، حيث تقوم اطروحتها الاساسية على على تملّق الجماهير من ناحية، وتتفيه النخب من ناحية اخرى بل وتخوينهم، بترويج سموم، من قبيل:
"اتركك منهم فهذا كلام معقد، تنظير وتفلسيف زائد."
وكأن الفلسفة مسبّةٌ وليست ام العلوم، او كأنّها علم لا علاقة له بالسياسة من قريب او بعيد، في حين انها لدى ارباب الديقراطية الاغريقية، توأم ملازم للسياسة، فما السياسة عندهم الا الترجمة العملية للحكمة، في حين ان الفلسفة هي الحكمة النظرية.
ان اصحاب الكلمة والقلم، مخيرون اما بالخضوع لمراكز القوى والحاكمين، او مجارات الرأي العام وتملّق المحكومين، او ان يبقوا فعلا مثقفين، فالمثقف هو:
من يسعى الى فهم المشهد بإعتماد قواعد عقلانية تراعي السنن الكونية، ولا ينسج قراءاته اتباعا لتقلبات المزاج العام واهوائه من جهة، وذلك ما يمكن تسميته بالمسؤولية الأكاديمية للمثقّف.
واما المسؤولية الاخلاقية، فتحتّم عليه اعتماد قيم الديموقراطية وأسسها كمحدد لمواقفه، لا التماهي مع مراكز القوى او مخالفتها.
ولذلك فان غياب المثقفين، من خلال ابعادهم او ابتعادهم، تعرية للساحة العامة وتعميق لتصحّر الثقافة السياسية فيها، وذلك ما يغذّي قابليتها للانجراف الشعبوي الذي يكاد ان يقوّض البناء الديموقراطي من أساسه.
ولهذا فإنني لم اكن هنا بصدد تقييم تجربة الصافي سعيد بقدر ما أنا بصدد تثمين خوضه لها، فماهو الا بفاتح ثغرة صغيرة في كثبان البداوة السياسية، لعلّ الزمان يوسّعها، وانا على يقين بأن الأجيال الجديدة من المثقفين ومن اختاروا الفكر والكتابة كمدخل للشأن العام وهم كثر ومن مشارب متعدّدة، يرقبون هذه التجربة وغيرها، بعين من كان في حاجة الى مثل ونماذج عمليّة، يستنيرون بخطاها، اما تأصيلها النظري، فإني أكاد أجزم بأن الصافي سيقدّم للتجربة التونسية اسهاما يليق به فيه، ولكن ذلك لن يكون حتى يتصالح الصافي مع قلمه الذي ألجمه، ولن تكون هذه المصالحة حتى يجد لنفسه مخرجا مشرّفا من ضوضاء السياسة واضوائها، يؤمّن له انسحابا آمنا من صحرائها.
* كاتب وناشط سياسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.