د عبد الرزاق بسرور قالتها امرأة لعمربن الخطاب، بعد أن أصبح خليفة بعد أبي بكر- رضي الله عنهما .- كان ذلك بسوق بالمدينة المنوّرة . * كان عمر وأحد الصحابة يسيران، فاستوقفتهما امرأة فسلّم عمر عليها فردّت السلام .ثم قالت له: - أنا أعرفك وعهدي بك وأنت تسمّى "عويمر" في سوق عكاظ ،وأنت تتصارع مع الفتيان . فلم تذهب الأيام حتى سمّيت عمرا . ثم سمّيت من بعد أمير المؤمنين ." فاتق الله في رعيّتك .واعلم أنه من خاف الوعيد، قرب منه البعيد .ومن خاف الموت خشي الفوت .ومن أيقن بالحساب خاف العذاب." فقال لها صاحبه : لقد أكثرت على أمير المؤمنين. - فقال عمر : أوما تعرف هذه ؟ هذه خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت التي سمع الله قولها في سمائه . فكيف لا يسمع لها عمر؟؟ . والسيدة خولة هذه هي التي أنزل الله في شأنها قوله تعالى : "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" .سورة المجادلة 1 *وتتمثل الحادثة في أن خولة ذهبت الى رسول الله بعد خلافها مع زوجها الذي قال لها: "أنت عليّ كظهر أمي" . كناية على تحريمها عليه . لكن رسول الله أجابها بقوله :" أظنّ أنك طالق" .و لم ينزل الوحي بحكم واضح في شأن الظّهار بعد. فجادلته قائلة :يا رسول الله :إن لي منه أولادا إن تركهم عندي جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا . والرسول يردد: أظنّ أنك طالق . فرجعت مكسورة الخاطر . فإذا بجبريل ينزل في لمح البصر بسورة المجادلة التي فيها زجر للذين يظاهرون على زوجاتهم . راجع الحادثة مفصّلة في : المستدرك للحاكم : 2/ 481 وهكذا نرى أن سيد الخلق كان يحاور ويجادل أفراد الشعب بل كان كثيرا ما يردّد على أصحابه :" أشيروا علي أيها الناس ." وكان عمر المعروف بشدته وعدله يستشير الرجال والنساء .فقد كان يستشير الشفّاء العدوية في شؤون الدولة. وكثيرا ما يتراجع عن قرار أخذه فهذه امرأة أخرى تصوّب عمر عند إعلانه على المنبر أنه يريد أن يضع حدا للمهور .فاعترضت قراره بقولها : "أيعطينا الله وتحرمنا أنت" . فقال : كيف؟ . قالت أما سمعت قوله عز وجل ...وآتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا . النساء 20 فقال عمر : أصابت المرأة وأخطأ عمر. كل الناس أفقه منك يا عمر .ثم تراجع عن قراره . *وليحذر الساسة البطانة والمستشارين فقد جاء في كتاب" تجارب الأمم" لابن مسكويه: "من حسن سياسة الملوك أن يجعلوا خاصتهم كل مهذّب الأفعال .محمود الخصال . موصوفا بالعقل والخير. معروفا بالصلاح والعدل ...فإن كانت أفعالهم رشيدة عظمت هيبة الملك لدى العامة ". *انها ومضات من ثقافتنا السياسية الاسلامية الأصيلة ،التي تحقّق للحكام في كل زمان ومكان المهابة ومحبة الشعب .مهابة تستمدّ من مناخ رعاية الحاكم للحريات العامة وخاصة حرية التعبير والحوار وتقبّل النقد والتفاعل مع هموم الناس، دون أن تمتهن - في المقابل - كرامة الرموز السيادية بدعوى الحرية ،فتصبح القيادات مثارا للسخرية والشتيمة . ونستحضر في الختام قول عمر :" لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني" والسلام ...