وات - تحرير أميمة العرفاوي - في ولايات الشمال الغربي عامة وفي ولاية سليانة خاصة، تسعى العديد من العائلات التونسية إلى المحافظة على ارث الأجداد وتثميه رغم التطور الذي يشهده المجتمع، وما نجم عنه من تغير في الاذواق والعادات. ففي معتمدية برقو، على سبيل المثال، والتي لا تبعد سوى 20 كلم عن مركز الولاية، وفي منزل يقع في أحد الازقة الضيقة بالمدينة تتفانى الحرفية فاتن، منذ الصغر، في إعداد "القشابية و المرقوم"، حتى أصبحت من الخبيرات في هذا المجال، وذلك بشهادة جميع جيرانها. وفي ركن من أركان منزلها المتواضع، تقبع فاتن لساعات طويلة أمام "السداية" في تركيز تام غير مبالية بمن حولها همها الوحيد أن تكمل عملها بكامل الاتقان، تلامس أصابعها الخبيرة الخيوط ببراعة اكتسبتها على مدى سنوات عديدة، و تعالج الصوف لتحوله إلى أشكال متنوعة ومختلفة من ألالبسة والاغطية، أو من القطع التي تزين البيوت والمقاهي وحتى المحلات التجارية. تحدثت الحرفية فاتن وهي امرأة شابة لم يتجاوز عمرها 37 سنة، لصحفية (وات) بسليانة، فقالت إنها تسارع بإتمام واجباتها كربة بيت قبل الذهاب إلى ورشتها الصغيرة بمنزل والدها لإتمام طلبات حرفائها، مشيرة إلى أنها اكتسبت هذه الحرفة من والدتها منذ أن كان عمرها 13 سنة أي منذ أكثر من 20 سنة تقريبا. و أكدت هذه الحرفية أنها بدأت بتعلم حياكة الأغطية الصوفيىة "العبانة" ثم المرقوم، وفي الاثناء استطاعت أن تطور نفسها فأصبحت قادرة على نسج كل ما يتعلق بالصناعات التقليدية بما في ذلك الرسم على خيط رفيع يسمى (الجداد)، معتبرة أن النسيج يعد بمثابة فلذة كبدها، إذ لا تستطيع أن تفارقه ولا التخلي عنه. تمرر فاتن خيوط الصوف الواحد تلو الآخر بين خيوط "السداية" المعروفة "بالجدّاد"، وتضربها بسرعة فائقة ب"الخلالة"(القرداش) حتى تلتحم الخيوط مع بعضها وتكوّن نسيجا متناسقا. و عن نسيج القشابية التي تعتبررفيق الشتاء بالنسبة للعديد من الرجال، قالت فاتن إنها تستخدم في صنعها آلة نسيج تقليدية، ويتراوح وزنها بين 5 و 7 كلغ باعتبار أن صوفها من النوع المميز إذ لا بد أن يمر بمراحل عديدة كالغسل والتجفيف والتنظيف والغزل، وقد تصل مدة انجاز "القشابية" إلى شهر كامل، ويبلغ سعرها الأدنى 350 دينارا. أما في ما يتعلق بالبرنوس، فهو ينسج من صوف تقليدي (دقة 20) وتصل مدة انجازه إلى حوالي شهرين، ويبلغ سعره حوالي 600 دينار. و شددت الحرفية فاتن على أن قلة من الناس لا يزالون يحتفظون بألة النسيج، قائلة أنها تشعر بالالم عندما تلمح آله نسيج ملقاة ومهملة بأحد الأسطح، فتتملكها الحسرة على الزمن الجميل، الذي كانت تجتمع فيه النساء في كل البيوت لإعداد الصوف، متحلقات حول آلة النسيج كأنهن في موكب عرس تقليدي. وتحلم فاتن منذ صغرها بامتلاك ورشة كبيرة تشغل فيها عديد النساء، وتخصص للمحافظة على موروث جهتها وكل جهات البلاد والتعريف به، متوجهة بالشكر إلى مندوب الصناعات التقليدية بالجهة الذي مكنها من الحصول على شهادة حرفية بعد أن تفطن إلى العمل الهام الذي تقوم به رغم عدم تلقيها أي تكوين وعدم مشاركتها في أي معرض. وقد أكدت فاتن استعدادها لتكوين كل من يرغب في تعلم هذه الحرفة مجانا كي لا تندثر و تظل راسخة لا في الذاكره فحسب بل في كل العائلات. من جهته،أوضح المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بسليانة،عادل القديري، أن جائحة كورونا عطلت كل البرامج التكوينية والأنشطة في علاقة بالصناعات التقليدية، خاصة مع إلغاء المهرجانات و التظاهرات، ليتعطل بالتالي ترويج المنتوج. في المقابل أكد القديري أن تمويل الحرفيين متواصل، وخاصة من تضرر منهم من فيروس كورونا، وتم، في هذا الصدد، إسداء قروض جديدة بقيمة 5 ألاف دينار مال متداول للحرفي الواحد، و 12 ألف دينار للمؤسسة الحرفية، وذلك بعد دراسة يتم إعدادها مسبقا. أخبار "وات" المنشورة على باب نات، تعود حقوق ملكيتها الكاملة أدبيا وماديا في إطار القانون إلى وكالة تونس افريقيا للأنباء . ولا يجوز استخدام تلك المواد والمنتجات، بأية طريقة كانت. وكل اعتداء على حقوق ملكية الوكالة لمنتوجها، يعرض مقترفه، للتتبعات الجزائية طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل