الزربية القيروانية هي أحد أركان الصناعات التقليدية وتاجها، جذبت السياح بأشكالها الهندسية وألوانها و«غرزتها» ومتانتها وأصالتها ودقة صنعتها وتاريخها، وتستمد القيروان سمعتها من هذا السجاد الذي يواجه الصعوبات. وتعتبر «الكاملة» أول زربية قيروانية تنسج في تاريخ المدينة، واسمها يعود إلى صانعتها «الكاملة بنت محمد الشاوش» شرعت في نسجها سنة 1828 لتنتهي منها سنة 1830 ثم أهدتها لمرقد الصحابي أبي زمعة البلوي، وما يميز هذه الزربية هو أشكالها وزخرفتها المستوحاة من التراث الإسلامي والمخيال الشعبي على غرار جناح الخطاف وعود المشموم والفانوس وخمسة «للا فاطمة».
ولصناعة الزربية من نوع «العلوشة» أكثر من حكاية، تبدأ من اعتماد المرأة على مادة الصوف في شكلها الطبيعي، الآتية من أرياف الجهة لتتولى غسلها في وديان البوادي، ثم تأتي عملية تجفيفها وتنظيفها من الزوائد المختلفة، وتعكف المرأة هناك على «القرداش»الذي يلين مادة الصوف الخشنة، ويجعلها طيعة بين الأيادي الناعمة، ويأتي بعد ذلك غزل الصوف، حيث تقضي المرأة الكثير من الوقت قبل أن تحوله إلى خيوط قابلة للاستغلال في «السداية» بشكلها التقليدي، وقد بدأت هذه العادات في التلاشي، لتترك للآلة وللتقنيات الحديثة مكانها فتغيرت الزربية وواكبت تطور العصر والذوق محافظة على بعض العناصر الأصيلة (نقشة حديدة) والمواد الطبيعية وأهمها الصوف والخيط.
حداثة وأصالة
وتعتمد الزريبة بالأساس على الأشكال الهندسية المختلفة، وقد تطورت الزربية القيروانية في السنوات الأخيرة، ناقلة الرموز البربرية، وموفقة في المزج بين التشكيلات الفنية وروح الزخرفة، لتبرز أصنافا جديدة من الزرابي التونسية وفق التقليد والحداثة، في تطوير الأنوال البدائية ومعالجة المكونات وتحسين جودة الصوف وتطويعها، ووضع مقاييس تقنية للإنتاج، تم تبعا لذلك الترفيع في عدد العقد من 40 ألف عقدة في المتر المربع، إلى حوالي مليون عقدة للزرابي الحريرية، التي تعادل في ذلك جودة الزرابي الإيرانية.
ومنذ أوائل القرن العشرين، تم إدخال الصباغة الاصطناعية على الزربية التونسية، مما دفع بعض الحرفيات من القيروان إلى ابتكار زربية «العلوشة»، التي تحافظ فيها على الألوان الطبيعية لصوف الخروف، السوداء منها والبيضاء والبنية والرمادية، وتفيد الذاكرة الشعبية في هذا المجال، أن الزربية القيروانية مستهلمة في بدايتها من زرابي الأناضول في تركيا، حيث إنزخارفها منظمة داخل مسدس تحيط به أطر من الشرائط، وهو ما يوحي بانتماء زرابي القيروان إلى أسلوب الزرابي الشرقية نفسه.