وات - لا شيء يوحي بالحياة في منطقة "عمرون" من عمادة سيدي محمد الراجعة بمعتمدية تالة من ولاية القصرين فمعظم الأراضي قاحلة عارية والأشجار والنباتات ملتحفة بالبياض، قد تعتقد للوهلة الأولى بأن مرضا أصابها أو أن آفة ألمت بها، الآبار نضبت والمنازل تصدّعت وآلت اغلبها للسقوط والسكان أصيب بعضهم بضيق في التنفس وشحوب في الوجه، الكآبة والحزن يخيمان على المكان والسبب مقطع حجارة " الشطّاح" الذي أصبح الكابوس اليومي لأهالي المنطقة، حيث انتصب وسط أراضيهم شامخا ينثر غباره في كامل أرجائها يدّوي بتفجيراته التي صدّعت الآذان وروعت الأطفال. أمين قنفالي (75 سنة) أصيل منطقة" عمرون " النائية أطلق رفقة عدد من جيرانه صيحة فزع ونداء إستغاثة للسلط المركزية للتدخل وانقاذهم و أراضيهم وفلاحتهم ومواشيهم من الخطر البيئي والصحي المحدق بهم جراء الإستعمال العشوائي للمفرقعات في مقطع " الشطاح" الذي يزوّد معمل "الجير" بتالة بالمادة الأولية ( الحجارة الكلسية المفتتة) والتي قال، في تصريح ل(وات)، بأنها تنقل عبر شاحنات ثقيلة تحمل حمولة مفرطة تتجاوز أحيانا 60 طنا في الشاحنة الواحدة مما تسبب في تدهور مسلكهم الفلاحي وعدم صلوحيته، فضلا عن تسبّبها في تناثر الغبار الذي سرعان ما يتحول إلى غيوم بيضاء تغطي كامل التجمعات السكنية القريبة من المقطع والمتاخمة للمسلك المذكور. وبنبرة حزينة ويائسة ، أردف العم أمين قائلا " لقد دمّرت أراضينا وذبلت أشجارنا، وضاع مورد رزقنا الوحيد، وجفّت آبارنا وتضرّرت منطقتنا السقوية التي تمسح قرابة 50 هكتارا بسبب ندرة مياه البئر العميقة المحدثة منذ سنوات بالمنطقة على بعد حوالي 500 مترا من مقطع الحجارة، والتي قال بأنها كانت تضخ ما بين 40 و50 لترا في الثانية واصبحت اليوم لا تعطي سوى 6 لترات في الثانية، وفق تأكيده. عبد القادر قنفالي (71 سنة) عبّر بدوره ل( وات)، عن بالغ حزنه وإستيائه الشديدين من التفجيرات العشوائية المدويّة من حين إلى آخر بمقطع الحجارة " الشطاح" ، التي قال بأنها أثّرت عليهم نفسيا وجعلتهم في حزن وخوف دائمين، حزن على ضياع مورد رزقهم الوحيد المتمثل في فلاحتهم ومواشيهم ،وخوف على أبنائهم من أن يصبحوا معتوهين نتيجة دوي الانفجارات المتتالية. ولم يجد قنفالي بقية أهالي المنطقة سبيلا لحلّ هذه المعضلة غير مناشدة السلط المركزية العليا للتدخل وإرسال لجنة من الوكالة الوطنية لحماية البيئة والمحيط ومن الصفقات العمومية ووزارة التجهيز لمتابعة مقطع " الشطاح" ووضع حدّ لتفجيراته الجائرة ولغباره المتناثر في سمائهم وحقولهم وللشاحنات التي دمرت طرقاتهم، وجبر أضرارهم الجسيمة وتمكينهم من حقهم في العيش في محيط سليم. معتمد تالة، جوهر شعباني، أوضح ل(وات)، أنه تم مؤخرا عقد جلسة مع عدد من أهالي ومتساكني منطقة "عمرون" بحضور مدير مصنع الجير بتالة وتم الاتفاق على التدخلات التي يمكن أن يقوم بها المشرفون على المصنع في المنطقة للحدّ من تأثيرات الغبار المتناثر من المقطع على الفلاحة. وأضاف أنه تم التنسيق مع مصالح التجهيز لإدراج المسلك الريفي بالمنطقة ضمن الأولويات لتهئته وصيانته مع مطالبة المتساكنين المتضررة منازلهم من تفجيرات مقطع "الشطاح" بالتقدّم بشكاية للقضاء لتعيين خبير يتولى معاينة الأضرار في سبيل تمكينهم من تعويضات. ولفت المعتمد، في ذات السياق، إلى أن مقطع الحجارة " الشطاح" متحصل على التراخيص اللازمة من قبل وزارة الداخلية، ويعمل في إطار القانون علما بأنه مقطع دولي تم تسويغه منذ سنة 2008 لخواص لتزويد مصنع الجير بتالة بالحجارة الكلسية التي تستعمل كمادة الأولية لصنع الجير.