وات - حذّر المتدخلون في ندوة صحفية انتظمت حضوريا وعن بعد، اليوم الخميس بالعاصمة، بعنوان: "ثلاث سنوات من عمل الداوئر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية: غياب الإرادة السياسية لمقاومة الإفلات من العقاب"، من أن المبادرات التشريعية الرامية إلى عقد مصالحات سياسية قد تنسف كليا مسار العدالة الإنتقالية في تونس. وأثاروا بالخصوص عدم التطابق بين الزمن السياسي والزمن القضائي بالنظر إلى عدة عوامل من أهمها عدم تبليغ الاستدعاءات وعدم تفعيل بطاقات الجلب في حق من نُسبت إليهم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم اقتصادية ضد ضحايا الاستبداد، مما ترتب عنه تأخير جلسات المحاكمة وتأجيلها عدة مرات لرفض المتهمين حضورها. وفي هذا السياق أكدت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، روضة القرافي، على ضرورة الإسراع في إصدار الأحكام في قضايا العدالة الإنتقالية، لكسر عجلة الإفلات من العقاب، وحتى لا ينجح من يريد إجهاض مسار العدالة الإنتقالية بإبرام مصالحات دون محاسبة غير عادلة. ودعت القرافي القضاة إلى إصدار أحكام في القضايا الجاهزة وعدم الانتظار، كرسالة لضمان عدم تكرار هذه الممارسات مستقبلا، أمام تواصل ارتكاب جملة من الانتهاكات، على غرار جرائم التعذيب وسوء المعاملة وتكررها إلى حد اليوم. وقالت إن عدم تنفيذ بطاقات الجلب من قبل مأموري الضابطة العدلية، تعيق عمل الدوائر القضائية المتخصصة، مشيرة إلى أن عددا من ضحايا الانتهاكات قرروا تقديم شكايات للنيابة العمومية ضد مسؤولي الضابطة العدلية من غير الملتزمين بتبليغ الاستدعاءات وتنفيذ بطاقات الجلب. وثمنت توجّه قضاة الدوائر المتخصصة إلى تفعيل الفصل 142 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي يقضي بوضع أموال المتهم الرافض حضور الجلسات، تحت الإئتمان، فضلا عن تصنيفه في حالة فرار، داعية إلى تفعيل مناشير التفتيش في حق المتهمين. ومن جهته، أفاد خيام الشملي عن منظمة "محامون بلا حدود"، بأن أكثر من 1400 متهم تتم ملاحقتهم أمام الدوائر الجنائية المختصة في العدالة الانتقالية بتهمة التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة، تهرّبت الغالبية العظمى منهم من المحاكمة حتى الآن، مضيفا أن الدوائر الجنائية المختصة أصدرت ما يزيد عن 130 بطاقة جلب لإحضارهم، "دون أي تنفيذ من قبل وزارة الداخلية"، حسب روايته. وطالب المشاركون في الندوة الصحفية، بأن يأمر وزير الداخلية بفتح بحث تأديبي ضد أعوان الضابطة العدلية الذين يقومون بالتخلف عن تنفيذ بطاقات الجلب، والتذكير بوضوح وعلانية بالتزام الأعوان باحترام القانون وتنفيذ الأوامر القضائية. كما دعوا وكلاء الجمهورية المعنيين بالشكاوى المتعلقة بعدم تنفيذ بطاقات الجلب، إلى النظر في إجراء تحقيقات فورية لتحديد مسؤوليات أعوان الضابطة العدلية ورؤسائهم وبالتالي تفكيك نظام الإفلات من العقاب، مطالبين المجلس الأعلى للقضاء بأن يتخذ جميع التدابير اللازمة لتمكين القضاة من إصدار أحكام في آجال زمنية معقولة. ودعوا أيضا مجلس نواب الشعب إلى ممارسة دوره الرقابي، عبر لجنته الخاصة المكلّفة بملف العدالة الانتقالية، ومساءلة وزير الداخلية حول عدم تنفيذ بطاقات الجلب. يُذكر أن الندوة الصحفية نظمتها مبادرة "لا رجوع" وجمعية القضاة التونسيين والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب واللجنة الدولية للحقوقيين، وذلك بمناسبة مرور ثلاث سنوات على انطلاق عمل أول دائرة قضائية متخصصة في العدالة الانتقالية والتي انتظمت في 29 ماي 2018 بقابس ونظرت في قضية كمال المطماطي. و"لا رجوع" هو مشروع ثلاثي يضم كل من منظمة "البوصلة"، ومحامون بلا حدود، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يقوم على متابعة مسار العدالة الإنتقالية ودعم جهود الفاعلين فيه، بغاية القطع مع أنّات الماضي، وضمان عدم تكرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الاقتصادية التي وقعت في عهد الدكتاتورية في تونس.