وات - أن تكوني مذنبة وتقضي عقوبة سجنية، فذلك لا يُلغي أن تكوني امرأة مبدعة تحوزين على طاقات فنية يمكن تطويعها في عمل ثقافي، سواءً كان مسرحيا أو موسيقيا أو سينمائيا أو غيره. ضمن فعاليات الدورة الثانية والعشرين لأيام قرطاج المسرحية (4 إلى 12 ديسمبر 2021)، وفي إطار ركن "مسرح الحرية" المخصّص للأعمال المسرحية من إنتاج نوادي المسرح في المؤسسات السجنية والإصلاحية، تابع جمهور الفن الرابع، اليوم الثلاثاء بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون بالعاصمة، عرضا بعنوان "غربة"، أخرجه الأستاذ المسرحي نجيب زقام، وقدّمته مجموعة من نزيلات سجن النساء بالمسعدين. يقول مخرج العمل، في تصريح ل (وات): "هي التجربة الأولى التي أخوضها في مسرح السجون ولا أخفي أنني كنت خائفا في البداية من هذه التجربة، لكن عندما دخلت أسوار السجن اكتشفت طاقات كبرى في الإبداع وعملت معهنّ على إبراز هذه الطاقات الإبداعية في عمل مسرحي دون أن أتطرّق إلى مشاكلهن في السجن". وأضاف أن القرار كان يصبّ في ضرورة التطرّق في المسرحية إلى مفهوم السجن من زوايا عديدة، "فالإنسان يمكن أن يكون سجينا للغربة وسجينا للفقر وكلّ إنسان له سجنه الخاص". وتحدّث عن عديد التحديات التي واجهها فريق العمل أثناء الإعداد للمسرحية، مشيرا إلى أن "غربة" تمّ التحضير لها في 20 يوما "وهو تحدّ كبير بالنسبة إلى فريق العمل من أجل الحضور وترك بصماتهنّ في هذه الدورة الجديدة لأيام قرطاج المسرحية". وأثارت بطلات المسرحية قضايا حقوقية وإنسانية، كالميز العنصري والعدالة والحريات الفردية والجماعية. وجسّدت الممثلات مختلف الوضعيات في المسرحية بحركات تعبيرية كوريغرافية وكذلك بالغناء. وتراوح اللعب الدرامي بين القسوة والتراجيديا وبين السخرية السوداء. وقد وظّف المخرج نجيب زقام المشاهد القاسية لتعكس المشاهد العنيفة التي تفشت في الواقع التونسي بعد الثورة. وأما السخرية السوداء، فكانت لها وظيفتان رئيسيتان: تمثّلت الوظيفة الأولى في إراحة الجمهور من عناء تتابع الأحداث ومن المشاهد العنيفة، فيما تكمن الوظيفة الثانية في التعبير عن الأوجاع التي سكنت شخصيات المسرحية وحالة التمزّق التي يعشنها. ومع انتهاء العرض وتقديم الممثلين التحية للجمهور، بدا التأثر جليا على الحاضرين سواءً من المتفرّجين أو من الإطارات السجنية والأعوان. وقد برهنت المودعات بطلات مسرحية "غربة" من خلال هذا العمل الذي تمّ تقديمه بحضور عائلاتهن وكذلك الإطارات السجنية وأحباء الفن الرابع، على أن للسجين طاقات إبداعية يمكن تطويعها في أعمال فنية، وأن الثقافة هي إحدى أشكال إعادة إدماج السجين في المجتمع مرة أخرى، ما يقيه من العود. وتتواصل عروض نوادي المسرح بالمؤسسات السجنية إلى يوم 11 ديسمبر الحالي بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون، وذلك ضمن ركن "مسرح الحرية" في إطار الدورة 22 لأيام قرطاج المسرحية. ويتنافس 11 عملا من إنتاج نوادي المسرح في الوحدات السجنية ومراكز الإصلاح، على 3 جوائز ستمنحها كل من الهيئة العامة للسجون والإصلاح وإدارة أيام قرطاج المسرحية والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب "مكتب تونس".