تونس الصباح الفنان المسرحي نور الدين الورغي هو أحد الذين ستكتبُ اسماؤهم بأحرف بارزة في سجل التاريخ الحديث للمسرح التونسي.. فالرجل لا يعد فقط فنانا صاحب «توجه» مسرحي مخصوص وانما ايضا أحد المناضلين بحق في سبيل خطاب مسرحي تونسي«أصله» ثابت في عمق التربة الثقافية بالمعنى الانثروبولوجي لكلمة ثقافة للانسان التونسي و«فرعه» محلّق في سماء رحابة مقوالات «الأنسة» في معناها الثقافي الكوني الرحب والمتسامح.. ثم ان الاعمال المسرحية التي جاءت بامضاء هذا الفنان المسرحي في اطار مجموعة «مسرح الارض» التي يديرها بمعية زوجته ورفيقة دربه الفنانة المسرحية ناجية الورغي مثلت جميعها منذ اكثر من عقدين «تعبيرة» مسرحية تونسية مبتكرة جمعت بعمق فني بين المأساوية والاحتفالية وبين السخرية والجدية.. فمن خلال مسرحية «تربة بالعسل» ومسرحية «اليك يا معلمتي» مرورا بمسرحية «تراجيديا الديوك» و«حبة رمان» و«محمد الدرّة» و«العارم» و«ريح ومديح» ووصولا الى مسرحية «الزنديان» امكن للثنائي نور الدين وناجية الورغي التعاطي بخطاب مسرحي درامي يجمع ويا للغرابة بين شاعرية الكلمة وعنف المشهد المسرحي مع قضايا اجتماعية وسياسية بعضها محلي وبعضها انساني عام. هذا التوجه الفني هو الذي اعطى لانتاجات مجموعة مسرح الارض زخمها الفني والابداعي المتميز وهو الذي لفت انتباه النقاد لا في تونس فحسب بل وفي العالم العربي لهذه التجربة المسرحية ولهذا «الصوت» المسرحي المتفرّد والمغرّد خارج ما هو معتاد ومألوف مسرحيا شكلا ومضمونا .. «جايْ مِنْ غادي» احدث اعمال الفنان المسرحي نور الدين الورغي يتمثل في مسرحية «جايْ من غادي» التي يتقمص ادوار البطولة فيها كل من جمال مداني وناجية الورغي.. هذه المسرحية التي كان من المقرر ان يشاهدها الجمهور في عرضها الاول في احدى سهرات ليالي شهر رمضان المنقضي تأخّر عرضها الى تاريخ لاحق لم يحدد بعدُ وذلك بسبب اعتراض لجنة التوجيه المسرحي على بعض المقاطع الحوارية فيها ومطالبة اعضاء اللجنة لنور الدين الورغي بوصفه المؤلف والمخرج بان يستبدل بعض «العبارات» والكلمات الواردة فيها بأخرى مغايرة.. الورغي ينفي الفنان المسرحي نور الدين الورغي نفى قي لقاء لنا به ان تكون مسرحية «جايْ من غادي» قد «صُنصرَتْ» اداريا.. وانما كل ما في الامر يقول نور الدين ان لجنة التوجيه المسرحي عند مشاهدتها للعمل في عرض خاص قد طلبت ان يقع استبدال بعض الكلمات والجمل الواردة فيها على لسان ابطالها بأخرى مغايرة.. وهو الامر الذي تعذّر علينا الاستجابة به اعتبارا لبنية العمل النصية والفرجوية الموحّدة والمكتملة فنيا وغير القابلة تبعا لذلك لاعادة التناول و«المعالجة».. هذا «الاشكال» يضيف نور الدين الورغي هو الذي حال دون عرض المسرحية للعموم بفضاء مسرح الفنون بدار بن عبد الله في سهرات ليالي شهر رمضان المنقضي وقد تسبّب لنا ذلك كفرقة وفضاء في بعض الاضرار والخسائر المادية والمعنوية.. المهم يضيف نور الدين الورغي ان سلطة الاشرف ممثلة في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث قد تفهمت «موقفنا» الفني والابداعي الرافض لاي تحوير في بنية العمل النصيّة واذنتُ بعرضها للجمهور في صورتها الاصلية.. ولو لا انشغال الفنان الممثل جمال مداني بتصوير دوره في شريط «ثلاثون» للفاضل الجزيري لكنّا حدّدنا موعدا لعرضها ولكان شاهدها الجمهور في ماضي الايام. وعلى كل يقول نور الدين الورغي سيكون للجمهور موعد مع مسرحية «جاي من غادي» خلال الدورة القادمة من ايام قرطاج المسرحية..اي تحديدا خلال بضعة ايام قليلة..