يثير إحياء أمم وشعوب الأرض لليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 -مارس من كل سنة شجنا خاصا في أنفس النخب المتنورة بالعالم العربي، لما ينطوي عليه ملف المرأة في بلداننا من مفارقات، وما تحمله المقاربة العربية لمكانة المرأة ودورها من تناقضات وفوارق عجيبة ذات مساس مباشر بواقع الأمة ومصيرها ومستقبلها. فمن ناحية تستند الأمّة العربية إلى منظومة قيمية دينية أخلاقية وحتى ثقافية، تجلّ المرأة وتعظّم دورها ولا تسمح باضطهادها، ومن ناحية عملية مقابلة، ماتزال المرأة في أقطار عربية عديدة تعاني التهميش حتى لتكاد تقصى من الحياة ويرتدّ دورها إلى مجرد أداة من الأدوات التي تعود ملكيتها للرجل ويوظفها بحسب رغباته. ومن المفارقات أن العالم العربي في مقاربته لملف المرأة يسير بسرعات متعددة شديدة التفاوت والاختلاف وكأنّ أقطاره من كواكب مختلفة. حيث تتعايش على الخارطة العربية دول حققت اختراقات مشهودة في مجال التمكين للمرأة وتحقيق مساواتها التامة بالرجل، بل تعدت المساواة إلى تحقيق الشراكة الكاملة بين الجنسين. وتونس هي المثال الذي لا يدانى في هذا الباب، إذ يتكامل في هذا البلد إحكام المنظومة التشريعية المتصلة بالمرأة وهي منظومة في منتهى التطور تضمن للمرأة جميع حقوقها بلا استثناء بما فيها الحقوق السياسية، مع الممارسة اليومية والحياة العملية حيث يسجل حضور لافت للمرأة في كل الأعمال والمهن، حتى غدا الأمر عاديا لا يثير الانتباه والفضول .. تتعايش هذه الدول –إذن- مع دول تكفل للمرأة حضورا محترما في الحياة العملية وفي النشاط السياسي والاقتصادي والثقافي دون أن يستند ذلك إلى منظومة تشريعية محكمة تؤطر جميع حقوق المرأة وتحميها، ففي الجزائر على سبيل المثال لا شيء يمنع المرأة من أن تكون رئيسة حزب يحظى بشعبية محترمة "لويزة حنون زعيمة حزب العمال"، كما لا شيء يمنعها من أن تكون وزيرة "خليدة التومي وزيرة الثقافة"، لا بل لا شيء يمنعها من أن تكون جنرالا في الجيش "الجنرال فاطمة الزهراء عرجون"، ومع ذلك يشكو حقوقيون وجود نقص وشغورات في المنظومة التشريعية الجزائرية المتعلقة بالمرأة وحقوقها، وخصوصا ما يتعلق بالأحوال الشخصية. ويتعايش هذان النموذجان مع نموذج ثالث هو الأسوأ لأنه يرتد بالمرأة إلى عصر الحريم مستندا إلى قراءات مشطة للنص الديني يترتب عليها ميز كبير ضد المرأة يصل حد الحجر على حرية حركتها داخل البلاد وبين أهلها وذويها ومواطنيها، ويتجاوز كل ذلك إلى منعها من ممارسة حقوق تبدو بديهية على غرار قيادة السيارة! في هذا المناخ العام إذن يشارك العرب العالم كل سنة إحياء "اليوم العالمي للمرأة". المصدر العرب Photo credits: batik-international