كريم السليتي (*) عندما ترى فتيات غربيات وبعض مشاهير السوشيال ميديا يعكفون شهرا على قراءة القرآن الكريم ثم يعلن اسلامهن بعد ما شاهدوه في احداث عزة وطوفان الاقصى، بينما تجد البعض منا لم يفتح كتاب الله مطلقًا في حياته ولا يعلم حتى ماهي سورة الاخلاص ، تشعر بالتحسر والاسف الشديد. ... إن هذه الظاهرة التي يعيشها البعض منا هي بسبب التصحر الديني الذي بدأته فرنسا قبل قرن ونصف وزاد بعدها بورقيبة بإغلاق جامعة الزيتونة وختمها بن علي بسياسة متطرفة سماها تجفيف المنابع شملت ليس فقط التعليم الاسلامي بل تعدته لتحارب حتى العبادات والمظاهر الاسلامية مثل الحجاب وغيرها. بعد الثورة ومع أمال الانفتاح الكبيرة، فشلت الدولة في التصالح مع المظاهر الاسلامية كنتاج حضاري متجذر في بلادنا وذلك لبقاء نفس العقلية للأسف الشديد رغم تغير المسؤولين. وذلك بمواصلة التضييق على العبادات بمنع صلوات العيد في المصليات واغلاق المساجد زمن الكورونا في حين بقيت بقية المجمعات التجارية والمرافق الاخرى تعمل بشكل عادي. حتى أن بعض المساجد لا تزال مغلقة الى اليوم. . كما لم تشهد البلاد تحسنا يذكر في الترويج للحضارة الاسلامية كمنبع للعلم والأخلاق والرقي والعزة والإنسانية والرحمة ، بل على العكس شاهدنا كيف تم تقليص وتتفيه محتوى مادة التربية الإسلامية على سبيل المثال مقابل رفع ضوارب وعدد ساعات تعليم اللغة الفرنسية في شكل من الترويج لثقافة المستعمر المتسمة عموما بمعادتها للدين والقيم الاخلاقية بشكل عام (الترويج للاباحية والشذوذ والإلحاد وازدراء الاديان بالسخرية من الرسل والكتب السماوية) وبنزعتها الاستئصالية والتحقيرية للحضارات والثقافات واللغات الاخرى. لا شك أن ما نعانيه منذ عقود من انتشار للجريمة وللفساد الاداري والمالي واستشراء العقلية الانتهازية والهمجية والفوضى هو نتاج هذا التسطيح في التعليم الديني والحضاري رغم أننا كنا ولقرون طويلة مدرسة مجتمعية تجذب طلبة العلم من المشرق والمغرب ومجتمعا محافظا تضرب به الأمثال في الإيثار والتآزر والحشمة والعلم والفكر والأخلاق. اليوم هناك مسؤولية كبيرة تقع على مؤسسات الدولة، لاصلاح هذا الانخرام الحضاري الذي خلق لبسا لدى عامة الناس حول هويتهم، مما يهدد الأجيال القادمة بالاستلاب الحضاري والتغريب الثقافي. لقد حان الوقت لمصارحة ومصالحة حقيقية وعلنية بين مؤسسات الدولة وبين الحضارة الاسلامية من الاعتراف بتاريخنا الاسلامي إلى تفعيل التعليم الديني، مرورًا بالانفتاح على حرية ممارسة مختلف الشعائر الدينية دون مضايقة أو منع أو تمييز على أساس المظهر أو المذهب . وكذلك هناك مسؤولية أخلاقية ودينية ووطنية وحضارية تقع على صانعي المحتوى والشخصيات الواعية والمؤثرة والشباب عموما لاستغلال الوسائط والوسائل المعلوماتية الحديثة وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي لبث خطاب حضاري راقي قريب من قلوب الناس يركز على الترويج لهويتنا العربية الاسلامية وقيمها وتاريخها وأبطالها وعلمائها ويطالب الجهات المسؤولة بمزيد التركيز على دفع التعليم الاسلامي سواء المدرسي أو الجمعياتي أو الاعلامي وتعميقه في ضمائر الأطفال والمراهقين والشباب لنتمكن من القضاء على هذا التصحر الديني والأخلاقي. * كاتب وباحث في الاصلاح الاداري تابعونا على ڤوڤل للأخبار