جرت العادة منذ سنوات قليلة أن تُجرى استبيانات أو إحصائيات حول نسب المشاهدة للفضائيات في بلادنا خلال شهر رمضان، وفي كل مرة تصدر النتائج يقع التشكيك فيها من قبل الجهة التي تأتي في مرتبة متأخرة، فكل من لا يحصل على المرتبة الأولى يكذب النتائج الحاصلة ويشكك في مصداقية من قام بالاستبيان. هذه السنة أيضا وقع تقريبا نفس الشيء ولكن بشكل آخر إذ أن عددا من الوكالات المختصة بادرت إلى إجراء عمليات استبيان لنسب المشاهدة في بداية شهر رمضان فتحصلت على نتائج معينة، وأيضا بعض المواقع الإلكترونية بدورها فسحت المجال للقيام بعمليات استبيان تخص تحديد نسب المشاهدة لفضائياتنا التونسية فكانت النتائج المتحصل عليها مغايرة جذريا لما أعلنته الوكالات المختصة، وهذا ما زاد في تسخين الأجواء وطغيان نظرية المؤامرة ( التي تعد من أهم ميزات التونسي) وما يتبعها من تكذيب وتشكيك في النتائج الحاصلة وتوجيه الاتهامات إلى هذه الجهة أو تلك ... وإن التركيز على هذه المسألة مهم جدا لأن الفوز بالمرتبة الأولى في نسب المشاهدة يضمن آليا للفضائية الفائزة أن تستحوذ على نصيب الأسد من الومضات الإشهارية التي غزت فضائياتنا وأصبحت تنافس بجدية الأعمال الدرامية المعروضة في المدة الزمانية المخصصة لها، وهذا السيل الجارف من الإشهار يتبعه آليا السيل الجارف من المال الذي هو قوام الأعمال. ولكن الفوز بالمرتبة الأولى في نسب المشاهدة لا يعني بالمرة أن القناة الفائزة متميزة جدا وأنها تفرض وجودها على المشاهد التونسي لأن هذا الفوز نسبي ووقتي وظرفي لا يستمر على مدى السنة ولأن التونسي عادة ما تغريه المشاهدة التلفزيونية خلال شهر رمضان ويركز كثيرا على القنوات المحلية و بعد يطلقها بالثلاث... والسؤال المطروح في هذا السياق: هل ما تقدمه فضائياتنا من أعمال يستحق كل هذه المنافسة على الفوز بالمرتبة الأولى في نسب المشاهدة ويبرر هذه الحرب ويعطي القيمة والريادة للفضائية الفائزة؟؟!! طبعا لا وذلك لسبب بسيط جدا وهو أن نسبة هامة من الأعمال المعروضة مستوردة و هي إما أنها عُرضت سابقا في فضائيات أخرى و ثمة من شاهدها وإما أنها بصدد العرض في بلدان أخرى وبالإمكان مشاهدتها على فضائيات عربية أخرى. وهناك أعمال محلية خاصة بكل فضائية وهي في مجملها من وزن الريشة وقد اكتسبت أهميتها من خلال عرضها في شهر رمضان و لا لشيء آخر، فلو أن تلك الأعمال تعرض في شهر آخر غير رمضان لما حازت على الاهتمام التي تجده الآن. ولذا فإن الحرص على الفوز بنسب المشاهدة يبرره الربح المادي لا غير وذلك من خلال الاستحواذ على نسبة أكبر من الومضات الإشهارية وتحقيق أرباح كبيرة، وأما القيمة الفنية للأعمال المعروضة وتميزها و حرصها على الالتصاق بالواقع المعيش و تعبيرها عن شواغل المشاهدين وعدم الضحك على ذقونهم و السعي إلى إرضائه و تلبية طلباته واحترام المتلقي عبر عدم قصفه بالومضات الإشهارية المتتابعة فذاك آخر ما يقع التفكير فيه، وهكذا فإن الأمر لا يعدو أن يكون من شاكلة عيطة و شهود على ذبيحة قنفود أو الجنازة حامية و...