يثيرمصير التنوع البيولوجي في إفريقيا الانشغال ولكنه، في الان ذاته، يبعث على الأمل. فمن ناحية تواجه العديد من الأصناف والنظم البيئية تهديدات متنامية، ومن ناحية أخرى توجد إمكانيات حقيقية لعكس هذا الواقع من خلال جهود الحفاظ على البيئة الموجهة بصفة دقيقة، وفق ما أفاد مدير مركز التعاون من أجل المتوسط في الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، ماهر محجوب في حوار ل"وات"، بمناسبة انعقاد المنتدى الاقليمي الاول للمحافظة على الطبيعة في إفريقيا، بالعاصمة الكينية، نيروبي من 24 إلى 28 جوان 2024. ... وات: أولا ماهي الاهداف المرسومة لهذا المنتدى الإقليمي الاول للمحافظة على الطبيعة في إفريقيا؟ ماهر محجوب: تجمع المنتديات الاقليمية للمحافظة على الطبيعة للاتحاد الدولي لصون الطبيعة الاعضاء الحكوميين وغير الحكوميين وممثلي اللجان والمستشارين الاقليميين وأعضاء كتابة الاتحاد لمناقشة تحديات المحافظة على التنوع البيولوجي والصعوبات التي تواجهها في عديد المناطق من القارة وكذلك لتقديم برنامج عمل الاتحاد للفترة ما بين 2026-2030 والاستعداد للأحداث الكبرى المزمع انعقادها مثل المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لصون الطبيعة في أكتوبر 2025 في أبو ظبي. وات: هل لديكم فكرة واضحة عن عناصر الطبيعة التي يجب المحافظة عليه أولا في إفريقيا؟ ماهر محجوب: هدفنا المشترك هو المحافظة على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي في القارة بالتوازي مع ضمان رفاهية السكان المحليين في مواجهة تغير المناخ وآثاره. وتعمل أمانة الاتحاد الدولي لصون الطبيعة على مساعدة اعضائها على تنفيذ التزاماتهم الإقليمية والدولية المتعلقة بالتنوع البيولوجي والتغيرات المناخية والتنمية المستدامة. وات: هل لديكم في نطاق الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، مشاريع محافظة على الطبيعة، يمكن اعتبارها قصص نجاح في تونس، في إفريقيا وفي البحر الابيض المتوسط عموما؟ ماهر محجوب: بالنسبة للإتحاد، تعتبر الحلول القائمة على الطبيعة أولوية وقد ركزنا عليها من خلال استراتيجية "مبادرات" التي تدعم المجتمع المدني. ويرتكز 14 مشروع من بين المشاريع التي ندعمها حاليا في هذا الاطار على الحلول القائمة على الطبيعة، منها مشروع في تونس نعمل عليه بالتعاون مع جمعية محلية لمزارعي النخيل، هدفه تحويل الواحات أحادية الزراعة إلى نظم بيئية متنوعة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إعتماد غطاء نباتي متكون من ثلاثة طوابق لتعزيز التنوع البيولوجي والحد من انتشار آفة سوس النخيل وكذلك من استغلال منتجات النخيل في إنتاج السماد العضوي وبالتالي دعم الفلاحين ومساعدتهم على تحسين دخلهم. و أظهرت الدراسات أن هذه الطريقة تزيد من تخزين الكربون، وتقلل من درجات الحرارة القصوى في مقاطع الأرض المزروعة كما تقلل من مخاطر وخسائر الإنتاج بسبب سوس النخيل. كذلك في تونس وفي جزر قرقنة تحديدا، ندعم مشروعين من خلال برنامج المبادرات الصغرى لمنظمات المجتمع المدني في أفريقيا وبرنامج "ترانسكاب" الذي يهدف إلى تحسين ظروف عيش المتساكنين عبر المحافظة على الطبيعة. ويهدف المشروعان إلى الترويج لطريقة الصيد التقليدية المعروفة باسم "الشرفية"، والتي أدرجتها "اليونسكو" ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي. هذا الحل القائم على الطبيعة يتمثل في إقامة جدران من سعف النخيل في قاع البحر لتوجيه الأسماك نحو الشباك حيث يمكن اصطيادها او إطلاقها إذا لم تستوف المعايير. ومن خلال الحفاظ على هذه الطريقة المستدامة، التي تسمح بإطلاق الأسماك إذا لم تستجب للمعايير، فاننا نشجع على تجديد الحيوانات البحرية وعلى تحسين سبل العيش المحلية وتعزيز التنوع البيولوجي وكذلك مكافحة النزوح من الريف إلى المدينة. أما في المغرب، فنتعاون مع جمعية نسائية محلية تعمل على إنتاج الفحم الحيوي في منتزه خنيفرة الوطني وذلك لتحسين الزراعة المحلية من خلال استخدام المخلفات الزراعية لإنتاج هذا الفحم. وتساعد هذه التجربة على إثراء التربة وزيادة المحاصيل وتخزين الكربون مع الحد من إزالة الغابات. كما تساهم هذه المبادرة في تحسين سبل العيش من خلال زيادة دخل الفلاحين من خلال ممارسات زراعية أكثر إنتاجية واستدامة. هذه الأمثلة تقيم الدليل على أن الحلول القائمة على الطبيعة لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تكون ناجعة وان تساهم في دعم صمود السكان المحليين وكذلك المحافظة على التنوع البيولوجي. وات: حسب رأيكم، إلى أي مدى يمكن لمشاريع المحافظة على الطبيعة أن تساهم في مواجهة التغيرات المناخية؟ ماهر محجوب: تلعب مشاريع الحفاظ على البيئة دورًا حاسمًا ومتنوعًا في مجابهة التغيرات المناخية. فهي تساهم في الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية واستعادتها، مثل الغابات والأراضي الرطبة والأعشاب البحرية، عبر امتصاص الكربون وبالتالي مساعدة هذه النظم البيئية على التخفيف من آثار تغير المناخ. بالاضافة إلى ذلك، تعمل مشاريع الحفاظ على الطبيعة على تعزيز قدرة المجتمعات المحلية على مواجهة تأثيرات تغير المناخ. على سبيل المثال، يمكن لحماية الغابات والأراضي الرطبة الساحلية أن تقلل من خطر الفيضانات وتآكل التربة، في حين أن التصرف المستدام في الأراضي الزراعية يمكن أن يمنع التصحر ويساهم في تحسين الأمن الغذائي. وعموما، توفر الحلول القائمة على الطبيعة من خلال اعتماد الاقتصاد الأزرق أو الزراعة الغابية أو البنى التحتية الحضرية الخضراء، طرقًا طبيعية وفعالة للتكيف مع تغير المناخ. كما أنها توفر منافع مشتركة مهمة مثل الحفاظ على التنوع البيولوجي والأمن المائي والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية. وات :كبف تقيمون مصير التنوع البيولوجي في افريقيا، وكبف يمكن التوفيق بين صون الطبيعة والتنمية? ماهر محجوب: مصير التنوع البيولوجي في افريقيا مقلق ويبعث على التفاؤل في ذات الوقت. فمن جهة يواجه التنوع البيولوجي في افريقيا تهديدا متزايدا لعديد الاصناف والنظم البيئية النادرة. من جهة اخرى تحتوي القارة على امكانيات لقلب المعطيات، عبر تظافر مجهودات الصون الموجهة وعبر اشراك كل الفئات المعنية. ولبلوغ هذه الاهداف اقترح بعض الحلول على غرار تلك التي تستفيد من النظم البيئية للاستجابة لحاجيات البشر، دعم قدرات جمعبات المجتمع المدني على لعب دور نشط في ادارة الثروات الطبيعية، والتعاون مع مختلف الفاعلين (حكومات وقطاع خاص ومجتمعات محلية ومنظمات الدولية...) من اجل خلق توافقات وادراج سياسات صون الطبيعة في مخططات التنمية الوطنية والجوية. ويتطلب ذلك، العمل المشترك مع الحكومات لضمان تطابق اهداف الصون مع اولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تابعونا على ڤوڤل للأخبار