وات - تحرير فيصل ضو - لاشيء تغير في موقع السميرات الأثري منذ أن زارتها /وات/ في جانفي 2025 وزارها وفد نيابي عن المجلس الوطني للجهات والأقاليم خلال شهر ماي 2025. تواصل الطبيعة والعابثون عملهم في فسخ معالم الموقع الظاهرة للعيان، بهتت ألوان لوحات الفسيفساء المنتشرة في أرجائه واقتلعت مكعباتها وجرفت السيول أجزاء منها وانهارت أخرى بفعل الزمن، دون بذل أدنى جهد حتي لتسييجها ومنع العبث بها. مصادر المعهد الوطني للتراث، تؤكد أن أول شرط من شروط التدخل بالموقع هو أن تحيل وزارة أملاك الدولة ملكية الموقع إلى وزارة الثقافة لتتمكن من التصرف فيه وفي المقابل، . لم تجد نداءات أهالي الجهة ونشطاء المجتمع المدني بعميرة التوازرة بتهيئة الموقع الأثري بالسميرات وإدراجه ضمن المسلك السياحي بولاية المنستير آذان صاغية. مرت أكثر من 50 عاما على آخر كشف عن معالم الموقع، لتظل لوحة "فسيفساء ماجريوس" المعروضة بمتحف سوسة قبل أكثر من 1780 عاما الشاهد الوحيد على أهمية الموقع. فلا أحد من سكان الجهة شاهد اللوحة وبعضهم لا علم له أصلا بوجودها، فهي معروضة في متحف يبعد أكثر من 70 كم عن مكان تواجدها . يعم الصمت أرجاء السميرات لكن اللوحة ظلت صاخبة منذ 18 قرنا. فتحت أنظار "ديانا" ربّة الصيد والقنص والإله "ديونيسوس"، إله الملذات والخمور، تتعالى أصوات الجمهور في المسرح الدائري ب"سميرات" هاتفة باسم "ماجريوس". كان "ماجريوس" الثري المحلي ب"السميرات" راعي العرض الذي نظمته جمعية "تيليجيني" التي اشتهرت بالعروض القتالية في إفريقيا الرومانية بين مصارعين ووحوش ضارية من أسود وفهود ونمور تهتف الجماهير حاثة "ماجريوس" على الدفع بسخاء للجمعية منظمة العرض "هذا يوم مجدك يا ماجريوس، هذا يوم مجدك" هذا معنى أن تكون ثريّا! هذا معنى أن تكون ذا سلطة! نعم، هذه هي حقيقة! لقد حلّ الظلام الآن، عسى أن ترجع "تيليجيني" من عرضك بصرتها ملآنة بالنقود كلف العرض يومها ماجريوس مبلغا ضخما يعادل 4000 "ديناريوس" وهو يمثل ضعف المبلغ المطلوب للعرض. خلد "ماجريوس" يوم مجده في لوحة فسيفسائية أبعادها 4 م و20 سم و2 م و30 سم اكتشفت صدفة سنة 1966 بموقع "السميرات" . هذه اللوحة فكّك رموزها اللاتينية المؤرخ عزالدين باش شاوش في تقرير صدر سنة 1966 وتظهر اللوحة المصارعين "بولاريوس " و"هيلارينوس" و"مامرتينوس" و"سييتارا" في صراع مع الفهود وكانت دائرة المحاسبات قد قدرت في تقريرها السنوي الثامن والعشرين حول "التصرّف في التراث الأثري"المنشور سنة 2014 أن "السميرات" سجلت تقلصا في مساحتها بما يقارب 47 بالمائة مقارنة بما كانت عليه في بداية التسعينات. وتشير بعض التقديرات إلى أن مساحة الموقع الحالية تناهز 17 هك. وأضاف التقرير أنه رغم الموارد المالية الهامة التي رصدتها الدولة لقطاع التراث الأثري، تواصلت النقائص المسجلة بخصوص هذا القطاع نظرا لتقصير الجهات المعنية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته والمحافظة عليه، وهو ما عرّضه لاعتداءات مختلفة تعلّق البعض منها بأعمال نهب وسرقة وهي موضوع قضايا منشورة لدى المحاكم ذات الاختصاص. وكشفت بعض الحفريات غير المنتظمة التي أجريت ما بين سنتي 1987 و2001 ب"سميرات" بمدافن في قرية السميرات غير بعيد عن الموقع الأثري عن جرار خزفية بالقبور التي تعود إلى العهد البوني مما يبيّن عراقة السميرات وتعاقب الحضارات على أرضها. " السميرات" صنفتها كتب التاريخ على أنها كانت من أهم المواقع لأنها كانت تتوسط مدينتين من أهم المدن الرومانية وهما الجم ولمطة، لكن المصالح المعنية بالتراث تعتبرها موقعا "غير مصنّف". وفي الأثناء تظل "سميرات" في انتظار عودة ماجريوس ليدفع بسخاء ولتستعيد مجدها.