كلنا نذكر وزير الداخلية في حكومة المؤقتة الثانية فرحات الراجحي الذي نال إعجاب التونسيين في أول ظهور له في وسائل الإعلام وهو يتحدث بكل صراحة حتى أنه ذكر كيف سُرق هاتفه و معطفه من مكتبه في وزارة الداخلية عندما وقع اقتحامها و أعرب عن استغرابه من غياب التعامل الأمني مع المقتحمين حيث لم يقع إيقاف أي أحد منهم وذكر أيضا كيف تدخلت فرقة مكافحة الإرهاب لإنقاذه من أيادي المقتحمين . يبدو أن قوات الأمن تعلمت من هذه السابقة و لجأت إلى الرصاص و الغاز المسيل للدموع لتفريق الهمجيين و الفوضويين الذين يهاجمون منذ مساء جمعة الغضب مقر وزارة الداخلية و يرشقونه بالحجارة و على الأرجح فهو مستبعد أن يتم القبض على المسؤولين الحقيقيين على هذه الفوضى الذين يعملون بجهد على تشويه صورة المعتصمين . يبدو أن هؤلاء نجحوا إلى حد ما في تحويل الفوضى إلى مشادات حادة مع قوات الأمن خلفت جرحى و قتلى أو ربما شهداء و المثير للاهتمام هو حضور قناتنا الوطنية البنفسجية و تحقيقها سبقا صحفيا جديدا فبعد تمريرها مسرحية كنوز بن علي ها هي تمرر مسلسل "معتصمون مخربون" . الكل يعرف أن مطالب المعتصمين في القصبة هي مطالب تتناسب و الشرعية الثورية و الكل يعرف أن عدد المعتصمين في القصبة يزداد يوما بعد يوم مهما يكن فإن العدد ليس مهمّا بقدر أهمية المطالب التي ينادى بها المعتصمون و على الأغلب ينادي بها من هم في منازلهم أو ما سماهم البعض الأغلبية الصامتة لكن الغريب أن القناة الوطنية لم تستطع أو رفضت تمرير مطالب المعتصمين و تمكنت بسرعة غريبة من نقل الأحداث في شارع الحبيب بورقيبة التي كان أبطالها مجموعة من الهمجيين فماذا يمكن أن نفهم من هذا التعامل مع الأحداث ؟ ما هو المقصد من التركيز على حدث و تهميش آخر ؟ ما هو الهدف من ذلك ؟ الإجابة حملها اعتصام الصحفيين العاملين بمؤسسة التلفزة الذين أكدوا أنهم ذاقوا ذرعا من سياسة التعتيم التي تفرضها عليهم الحكومة المؤقتة كما كان يفعل نظام بن علي , هذا الاعتصام كان كفيلا بإزاحة النقاب عن حقيقة أن الحكومة استعملت و تستعمل القناة الوطنية كأحد الوسائل لإلهاء التونسيين و صرف أنظارهم عن اعتصام القصبة و ما يحمله من مطالب أساسية وجوهرية . أخيرا استأنف الصحفيون العمل في اتجاه إعلام حر و قد لا يعير الكثيرون اهتماما كبيرا باعتصامهم و قد يعتبره البعض محاولة للركوب على الثورة لكن على هؤلاء أن ينتبهوا إلى أنه إذا كانت الحكومة المؤقتة تهدد حرية الإعلام فلا يعني ذلك سوى أن لا ننتظر أي انتقال ديمقراطي و أن ننسى ما سمعنا به من وعود بحرية الرأي و التعبير و استقلالية القضاء .... ...فعلا لقد أسقط هذا الاعتصام قناع الحكومة المؤقتة و كشف عن وجهها النوفمبري لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هو التغيير الذي ستحدثه استقالة الغنوشي من هذه الحكومة المؤقتة ؟