أصبح يوم الأحد يوما ثقيلا على المستوى السياسي فيوم الأحد وقع تعليق نشاط التجمع و يوم الأحد قرر أحمد ونيس الاستقالة من وزارة الخارجية و يوم الأحد أيضا أعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي استقالته من الحكومة المؤقتة . استقالة فسرها البعض على أنها نزول عند رغبة الشارع و هي في الحقيقة قرار جريء و تاريخي على الأرجح يمثل اعترافا صريحا بأخطاء ارتكبتها الحكومة الأولى كما الحكومة الثانية فمحمد الغنوشي أكد أن قرار الاستقالة ليس هروبا من المسؤولية و هو فعلا كذلك فهو إعلان على تحمل مسؤولية ما حصل و ما يحصل فلا يمكن لأحد أن ينكر أن الحكومة ساهمت بطريقة أو بأخرى في تعزيز مناخ انعدام الثقة و الخوف من إمكانية الالتفاف على الثورة . ليس العيب أن نخطئ و ليس ضعفا أن نعترف بأخطائنا ومن الأخطاء التي وقع ارتكابها هي التذبذب في التعامل مع المطالب , عدم تقديم برنامج عمل واضح و التردد في اتخاذ القرارات التي إما تكون تحت الضغط أو تكون منقوصة أو متأخرة زد على ذلك انعدام الاتصال و التواصل و غياب الاستماع إلى مختلف الأطراف و التفاعل و التحاور معها . الحكومة و خاصة وزير الداخلية لم يستطع إلى الآن أن يفرض انضباط الشارع و أن يعيد هيبة الدولة فهناك عجز واضح على المزاوجة بين الحرية و الحق و القوة و هذه الأخيرة أبرز العناصر التي كانت غائبة و لا نقصد بالقوة العنف و الاستبداد و القمع بل نقصد ضبط الحدود و وضع الخطوط الحمراء و فرض النظام على الجميع أحزابا و جمعيات و نقابات و مواطنين في منازلهم و خارجها في ساحة القصبة و غيرها و خاصة محاسبة كل من لا يفرق بين الاعتصام و الإجرام و بين الإضراب والخراب . رغم أن كلمة اعتصام أصبحت تثير التوتر إلا أنه يجب الإشارة إلى أن اعتصام القصبة هو أصلا أحد نتائج ضعف الأداء الحكومي ففي البداية توجه إلى القصبة من يريد حل التجمع ثم توجه من يريد حل مجلسي النواب و المستشارين ثم التحق من ينادى ببعث مجلس لحماية الثورة و أيضا من ينادي بإعادة تشكيل لجان التقصي و الإصلاح ثم وصل من ينادى بمجلس تأسيسي لإعادة صياغة الدستور , قد يكون الترتيب مختلا لكن الحكومة في كل مرة كانت غائبة و أحس المعتصمون بغياب الآذان الصاغية وفسروا ذلك بأنه محاولة للالتفاف على الثورة و رأوا أن الوسيلة الوحيدة لحماية الثورة هي إسقاط الحكومة . كثيرون شعروا أن الحكومة فقدت السيطرة على الأوضاع و نصبوا أنفسهم ممثلين عن الشعب و ناطقين رسميين باسم الثورة ومن المؤسف أن الكثيرين منهم يجهلون المعنى الحقيقي للديمقراطية و نريد أن نقول لهم أنها لا تعنى فرض الأقلية لآرائهم على الأغلبية و ليست أيضا تسلط الأغلبية على الأقلية بل هي الصيغة التوافقية التي تؤسس لأرضية تفاهم بين الأقلية و الأغلبية و على الأرجح سيعمل رئيس الوزراء الجديد الباجي قائد السبسي على إيجاد هذه الأرضية و نرجو أن تساعده حنكته و خبرته السياسية على جعل الحكومة الانتقالية بعد إجراء تحويرات أو دونها قادرة على الجمع بين الحق و القوة و الحرية .