عندما يحتفل الشعب التونسي بذكرى وفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بعد نجاح ثورته فان لذاك طعما خاصا لم يعشه طوال أكثر من عشر سنين عمل نظام "بن علي" على حرمان كل التونسيين من إحياء ذكرى هذه الشخصية السياسية العظيمة ليس في تاريخ هذا البلد فقط وإنما في تاريخ العالم كله الحبيب بورقيبة أو "المجاهد الأكبر" كما يسميه الكثيرون عشق تونس عشقا لا حدود له حتى اعتبرها زوجته الثانية فعمل على تحريرها من قيود الاحتلال الفرنسي وقاسى نتيجة ذلك المنافي والسجون فلم يستسلم وواصل كفاحه لتحرير معشوقته ونجح أخيرا لكن بورقيبة لم يقف عند هذا التحرير الذي اعتبره بداية النضال الحقيقي نحو تحرير آخر تمثل في بناء أسس دولة الاستقلال وتحديث المجتمع ونشر التعليم لتوعية أبناءه هذا الرهان كسبه بورقيبة باستحقاق فجعل تونس منارة فكر وثقافة ودولة صغيرة الحجم فقيرة الموارد الطبيعية لكنها غنية بعزم وكفاح شبابها المتعلم الذي يمتلك ما أطلق عليه الزعيم "المادة الشخمة" هذه الشخصية لم يعجب بها التونسيون فقط بل اعترف بقدراتها زعامات أخرى كالجنرال ديقول الذي وصفه "بالساحر" لطريقة خطابه المؤثرة وقوة عينيه التي لم يستطع قائد فرنسا الحرة من النظر إليهما وعندما نتحدث عن السياسة الخارجية للزعيم لا بد أن نستحضر خطابه الشهير في البالمريوم الذي يتداول بكثرة في موقع الفايسبوك هذا الخطاب الذي جاء كرد فعل على أطروحات العقيد القذافي الوحدوية والمعادية للغرب التي أطلقها من البلمريوم والتي لم تعجب الزعيم فعمل على إنقاذ الموقف بطريقة ذكية تنم على خبرة سياسية وربما هذا الخطاب كان سببا في تدهور العلاقة بين الطرفين فيما بعد وبعد أكثر من ثلاثين سنة على واقعة البلمريوم هانحن نعود الى هذا الخطاب الواقعي والمستشرف للمستقبل وليس نتيجة تنبؤات عشوائية كما يعتقد البعض هاهو القذافي يقطف مازرعته يداه من تجهيل للشعب الليبي الذي ثار على ظلمه وتجبره لقد صدق بورقيبة حين قال بان تكوين الوطن هي مهمة صعبة يجب تحقيقها لانجاز الوحدة العربية لان الوحدة لن تصمد في ظل التأخر الفكري والتكنولوجي الذي عاناه العرب ومازال يعاني منه ولكن لم يستطع معمر أن يفهم الواقع ولاذ بالصمت أو الضحك عله يخفي جهله أمام زعيم خبر السياسة وعرف التوازنات الدولية القائمة التي تصب في غير مصلحة العرب لذا وجب "تخليص الحرير من الشوك" كما يقول قدرة الزعيم على الاستشراف أرعبت قولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة التي احتفظت بلقب "الساحر" التي أطلقه عليه ديغول هذا الرعب الذي تكون لديها بعد خطاب أريحا الشهير حول التقسيم الذي لم يعجب العرب وحمدت إسرائيل ربها بأنه لم يعجبهم ولم ينفذوا كلام الزعيم وهاهم اليوم يتندمون عليه بعد أن فشلت كلمة "سنلقي بهم في البحر" الناصرية من تحقيق أهدافها نعم انه الزعيم وسيبقى زعيما وهذه الزعامة لم تأتي من فراغ او نتيجة انقلاب دموي ضد ملوكية أو حكم إقطاعي بل هو محرر تونس من الاحتلال والجهل وسيبقى ابا لهذه البلاد كفكر وتاريخ وليس كشخص لان الأشخاص يزولون وتبقى تونس نعم سنقيم ذكرى وفاة الحبيب بورقيبة وسنسترجع مآثره وسنتغاضى عن مساوئه وزلاته لأنه بشر وكل اليشر خطاءون لكن التاريخ سيذكره بأحرف من نور فرحم الله الزعيم