الحماية المدنية : 440 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    تايوان: إعصار راغاسا يتسبب في سقوط ضحايا وجرحى    عاجل/ تم استهدافهم ب12 قنبلة صوتية: أسطول الصمود يواصل رحلته وهذا موعد وصوله الى غزة..    33 شهيدا في قصف إسرائيلي على غزة    اليابان تتحدث عن "موعد" الاعتراف بدولة فلسطين    رحلة تونس_نيس كادت تتحول لكارثة جوية: ما القصة وكيف أنقذ الطيار التونسي المسافرين..؟!    الدورة الثانية للصالون المهني للصناعات التقليدية من 6 الى 12 اكتوبر المقبل بقصر المعرض بالكرم    عاجل/ في حملات أمنية شملت كامل تراب الجمهورية: الداخلية توقف هؤلاء..    كأس الرابطة الانقليزية : إيساك يسجل هدفه الأول مع ليفربول وطرد إيكيتيكي في الفوز على ساوثامبتون    العاصمة: قرارات إخلاء عاجلة ل248 بناية مهدّدة بالسقوط    عاجل: شنوّة صار في الإكوادور؟ عنف وحرائق مع بداية الإضراب    عاجل - ورقة نقدية جديدة ب50 دينار تدخل السوق : شمعناها للتوانسة؟    برشا تشويق في الرابطة: 4 ماتشوات في نفس الوقت وهذه أبرز المواجهات    البطولة الإسبانية : تعادل إسبانيول مع فالنسيا 2-2 وأتلتيك بلباو مع جيرونا 1-1    مبابي وفينيسيوس يتألقان في فوز ريال مدريد 4-1 على ليفانتي    محرز الغنوشي: ''البشائر متواصلة اليوم والأمطار حاضرة بتفاوت في الكميات في هذه المناطق''    الدخول المدرسي في تونس 2025: أزمة التعليم بين الواقع والطموح    ترامب يتوعد ABC بعد عودة الكوميدي جيمي كيميل إلى الشاشة: "ربما أربح أكثر هذه المرة"    وزارة الصناعة: محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية بولاية توزر سجلت تقدما في الأشغال بنسبة 75 بالمائة    المنستير: تقدم أشغال مشروع توسعة وتهيئة ميناء الصيد البحري بطبلبة    القصرين : إحالة موظف والاحتفاظ بمقاول في قضية تدليس    وزير السياحة يواكب المشاركة التونسية في معرض السياحة " توب ريزا " بباريس    ضبط ملفات "سرية" ووثائق "أسلحة دمار شامل" لدى بولتون    الاربغاء: أمطار رعدية مع رياح قوية والحرارة في انخفاض طفيف    طيران مكثف للمسيّرات فوق أسطول الصمود واستهداف احدى السفن بقنبلة دخانية    وفاة أيقونة السينما العالمية كلوديا كاردينالي    وسط جدل واسع...ديمبيلي يحرز الكرة الذهبية ..    ماذا في ميزانية 2026: التشغيل، الاستثمار والتحول الرقمي في صميم الأولويات    عاجل: الموت يغيّب كلوديا كاردينال عن عمر ناهز 87 عاماً    قيمتها 100 مليار..وثائق مزوّرة فضحت تهريب حبوب الهلوسة    بحث التعاون لتعزيز الاستثمارات    ثمن نهائي بطولة العالم للكرة الطائرة ..المنتخب يفشل في امتحان التشيك    الموت يغيّب الممثلة كلاوديا كاردينالي    منظمة الصحة العالمية ترد على ترامب: لا صلة مثبتة بين الباراسيتامول والتوحد    انطلاق نشاط وحدة بنك الدم بالمستشفى الجامعي بسيدي بوزيد    تظاهرة "الخروج إلى المسرح" في دورتها السادسة تحمل اسم الراحل الفاضل الجزيري    عاجل/ تفكيك شبكة خطيرة لترويج الكوكايين بهذه الجهة من العاصمة    مسرح الأوبرا يعلن عن فتح باب التسجيل في ورشات الفنون للموسم الثقافي الجديد    على متنها 3000 سائح...سفينة كوستا كروازيار ترسو بميناء حلق الوادي    عاجل/ تعليق الدروس في هذه الولاية..    عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا    في بالك ... فما اختبار دم يقيس قداش كل عضو في بدنك تقدم في العمر؟    مدنين: 90 الف طن تقديرات صابة الزيتون الاولية لهذا الموسم    رغم الغياب عن البطولة: الترجي الرياضي يحافظ على الصدارة.. النجم الساحلي في المركز الثالث والنادي الإفريقي في المركز ال6    أوت 2025: شهر قريب من المعدلات العادية على مستوى درجات الحرارة    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    عاجل/ "كوكا، زطلة وأقراص مخدرة": أرقام مفزعة عن حجم المخدرات المحجوزة في تونس..    الشيبس كل يوم.. تعرف شنوّة اللي يصير لبدنك    محرز الغنوشي يُحذّر من تواصل الأمطار هذه الليلة    وزارة الصحة تطلق أول عيادة رقمية في طب الأعصاب بالمستشفى المحلي بالشبيكة بولاية القيروان    أمطار قياسية في مناطق من تونس.. الأرقام كبيرة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    المدرسة الابتدائية الشابية بتوزر .. «نقص فادح في العملة»    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد انصهار الأحزاب..من سيربح المليون؟
نشر في باب نات يوم 17 - 04 - 2012


بقلم عبد الرزاق قيراط
''لتونس 99 حزبا من أحصاها دخل النار''، هكذا كانت صورة الوضع بعد ثورة 14 جانفي، فكتبنا تحت ذلك العنوان مقالة نقديّة ساخرة تنبيها إلى خطورة التكاثر و التناسخ للأحزاب السياسيّة بعد أن تعوّد التونسيّون على الحزب الأوحد الذي يحكم و تدور في فلكه بعض أحزاب المعارضة الصوريّة. لكنّ الانتقال من العقم السياسيّ قهرا و كبتا إلى الخصوبة المتحرّرة الثائرة، حوّل تونس الخضراء من عاقر إلى ولود، فغمرتنا بذريّة حزبيّة لها أسماء حسنى تبشّر بالإصلاح و الغد الأفضل. و عندما عكف التونسيّون قبل الانتخابات على إحصائها و الإحاطة بها، اصطدموا بتشابه الأسماء و الشعارات وباتوا في حيرة من أمرهم، لأنّ اختيار الأصلح يحتاج إلى جهد عسير كأنّه من عذاب السعير...
و بسبب ذلك، ضاعت في الانتخابات السابقة عشرات الآلاف من الأصوات، و أثبت الإحصاء و التدقيق في نتائجها أنّ مليون صوت تبدّد فكان هباء منثورا، و لم يستفد منه أيّ حزب من الأحزاب التي تنافست على مقاعد المجلس التأسيسيّ. ولأنّ ذلك المليون الضائع يعادل ما ذهب لحركة النهضة من الأصوات، فإنّه يُسيل لعاب الأحزاب التي لم تفز، و يدفعها إلى البحث عن طريقة عاجلة للاستفادة منها في الانتخابات القادمة. و قد ظهر الإجماع لدى النخبة السياسيّة على ضرورة الانصهار بين مختلف الأحزاب ذات المرجعيّة الواحدة أو المرجعيّات المتقاربة، و هو ما يحدث هذه الأيّام بوتيرة متسارعة. فانصهرت سبعة أحزاب من العائلة الدستوريّة تحت اسم الحزب الوطني التونسي. و وقّعت من جهة أخرى أحزاب "تونس الكرامة" و"التحالف الوطني للسلم والنماء" و"الأمانة" وثيقة تُوحّدها في حزب سياسي جديد سمّي "حزب الأمان"، و هو ينادي بالوسطية كمفهوم ومنهج سياسي وحضاري وإيديولوجي.
و بنفس هذا التوجّه الذي يسعى "لتكوين قوّة وسطيّة تخدم مصلحة تونس" كما قال سعيد العابدي الوزير السابق في حكومة قايد السبسي، إنصهر الحزب الديمقراطي التقدميّ مع الحزب الجمهوري وآفاق تونس في كيان جديد سمّي الحزب الجمهوريّ، و ظهرت معه تشكيلة جديدة أخذت مكان القيادات القديمة في الحزب الديمقراطيّ التقدميّ الذي انتفى وجوده بحكم الانصهار أو المصاهرة الأخيرة. فكأنّ السيّد نجيب الشابي اختار تغيير اللاّعبين عوض تغيير الخطط فدعا تلك الأسماء لتعزيز حظوظ فريقه في المواعيد الانتخابيّة القادمة، فليس هناك فرق على ما يبدو بين عالم السياسة و عالم الرياضة، فكلاهما يحتاج إلى الاحتراف و انتداب الأسماء اللامعة لتجاوز الأزمات و الهزائم.
إنّ ما تعيشه الأحزاب التونسيّة اليوم ، منصهرة كانت أو مشرذمة، يدلّ دلالة قطعيّة على واقع متأزّم يكشف حجم الخلل الذي يجمع أفرادها. وعبارة الأفراد هذه توضّح ما تعيشه تلك الأحزاب من غياب لخطط تجمع المنتمين إليها ليعملوا متّحدين وفق برامج وأهداف مضبوطة. و لذلك يظلّون أفرادا سرعان ما تظهر أطماعهم في الوصول إلى بعض المراتب، و سرعان ما يغضبون إذا انهزموا في أوّل اختبار انتخابيّ داخل الحزب، فينسحبون منه على عجل و لا يتردّدون في الكشف عن أسرار الكواليس و خباياها بما يسيء لهم و لأحزابهم. وفي هذا السياق، أعلن عدد من أعضاء المجلس التأسيسيّ من الحزب الديمقراطي التقدمي انسلاخهم عن الحزب احتجاجا على ما حدث في مؤتمر الانصهار، و تحدّثت الصحف عن70 آخرين من رفاق الشابي و الجريبي علّقوا نشاطهم داخل الهياكل السياسية تبعا لحالة الاستياء التي تزداد اتساعا. و تواجه ميّة الجريبي صعوبة في إطفاء نار الخلافات بين أعضاء من الديمقراطي التقدمي وقيادات الحزب الجديد. و لا نرى نجيب الشابي قادرا على رأب الصدع رغم الخطّة الجديدة التي أسندت إليه "ليساهم في تفعيل السياسات و بلورتها و اقتراح المبادرات الوطنية للحزب الجمهوري"، كما قالت ميّة الجريبي، و لكن ما أبعد القول عن الفعل، إذ يبدو أنّ الانصهار الأخير أدّى إلى اندثار حزب عريق و تشتّت أنصاره رغم التاريخ النضاليّ الذي كوّنه ضدّ نظام بن علي. كما أنّ الدور الجديد لنجيب الشابي، يؤشّر لإعطائه مرتبة شرفيّة صوريّة تمهيدا ربّما للتخلّي عنه بعد الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها و آخرها مشاركته في مبادرة "نداء الوطن" مع بقايا النظام البائد من التجمّعيّين المتستّرين تحت عباءة الفكر البورقيبيّ.
و من خلال كلّ ما تقدّم، يبقى المشهد الحزبيّ منذرا بأزمة طويلة بسبب صراعاتها الداخليّة، ما قد يحرمها من ثقة الناخبين و هي المعزولة أصلا عنهم و عن عموم الناس، نظرا لانشغالها بتنظيم المؤتمرات في النزل الفاخرة لتنصهر في أحزاب جديدة هي أقرب إلى الكيانات الافتراضيّة التي تجمعها شعارات فقدت بريقها بفعل تكرارها على الأسماع.
و في مقابل ذلك، نشاهد الوزراء من حركة النهضة و قد نزلوا بكلّ ثقلهم إلى الميدان "في إطار تواصل السلطة مع المواطن" كما قال لطفي زيتون في اجتماع شعبيّ و أضاف متحدّثا عن الحكومة" إنّها وليدة ثورة شعبيّة و انتخابات حرّة، و تمثّل مختلف الأطياف والحساسيّات السياسيّة الوسطيّة.حيث لا يوجد فيها يسار متطرّف أو يمين متطرّف". و بهذا الكلام، يحاول زيتون إقناع السامعين والملاحظين بحجّة دامغة تثبت المقولة بالعملٍ، فشعار الوسطيّة الذي يرفعه الآخرون قولا، نراه بالفعل إنجازا على الأرض من خلال الائتلاف الحاكم.
و على أيّة حال، يلحظ التونسيّ اليوم أنّ جميع الأحزاب تغازله بمبدأ الوسطيّة، فالترويكا "تضمّ الوسطيّين المعتدلين" كما قال زيتون، و أحزاب المعارضة المنصهرة، ترفع نفس الشعار و تستعدّ به للمنافسة ، لتكون المعركة القادمة معركة فاصلة بخطّة عجيبة هدفها السيطرة على وسط الميدان. فالكلّ يتبرّأ اليوم من الأجنحة الهجوميّة المتطرّفة يمينيّة كانت أو يساريّة بهدف الفوز بالمليون من الأصوات الضائعة.
و لعلّ الأسبقيّة ستكون مرّة أخرى لصالح من يحوز على رضا الجماهير ويحسن مخاطبتهم بلغة السياسة أو بلغة الرياضة أو بهما معا، كما فعل فريق النهضة الذي اصطحب معه طارق ذياب المحترف الجديد في ملاعب السياسة بعد أن تألّق في ميادين الكرة وتمرّس في تحليل خطط الفوز و النجاح. فقال متفائلا:" إنّ معارضي الحكومة يلعبون في الوقت الضائع... و هم يبحثون دوما عن الأخطاء الدفاعيّة للمنافس لتحويلها إلى نقاط إيجابيّة لصالحهم و هو ما يزيد من عزيمة الحكومة للعمل بجهد كبير"، ما سيمكّن الائتلاف الحاكم من الفوز مجدّدا و البقاء إلى 2017.
و بذلك الخطاب الكرويّ، ترجمت حكومة الترويكا نواياها و عزائمها بتكهّنات من خبير رياضيّ يفهم جيّدا قواعد اللعبة السياسّة بروحه الرياضيّة. و لعلّه يعلم أنّ للتحكيم تأثيره في مجريات اللعبة، لذلك نتوقّع من ناحيتنا أنّ المقابلة الانتخابيّة القادمة ستكون أصعب نظرا لما يشهده التحكيم الإعلاميّ من انحياز ظاهر أو خفيّ. فلا تفاؤل و لا نجاح إلاّ بمقاومة كلّ أشكال الفساد الذي انتشر في جميع القطاعات. و بذلك فقط نضمن أن لا تخرج المقابلة عن قواعد التنافس النزيه، لنصفّق في نهايتها للفائز بالمليون من أصوات الجماهير و ثقتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.