بقلم الأستاذ أبولبابة سالم ينطلق يوم الخميس بقصر المعارض بالكرم مؤتمر حركة النهضة وهو أول مؤتمر علني بعد سنوات من السريّة و الملاحقات الأمنية . يعقد هذا المؤتمر بعد ثورة شعبية حضارية أطاحت بالنظام الإستبدادي الدموي الذي دمّر البلاد و العباد , و بعد أوّل انتخابات حرّة و ديمقراطية صعدت على إثرها حركة النهضة إلى السلطة و صارت الحزب الأقوى في البلاد رغم كل ما مورس ضدّها من قمع و تنكيل و هرسلة بوليسية . لقد عاد قادة الحركة من الخارج و معهم آلاف المهجّرين الذين تركوا الأهل و الوطن و ضاقت بهم السبل فهاجروا إلى بلدان عديدة , و حاولت الحركة لملمة شتاتها و مداواة جراحها مع وجود الآلاف في السجون و مثلهم داخل السجن الكبير محرومون من أبسط حقوق المواطنة . لقد كانت الحركة الإسلامية في تونس بمثابة الشهيد الحيّ و عاشت محرقة حقيقية غير أنّها عادت من بعيد و نالت ثقة الشعب فهي صلبه . لقد أمعن بن علي في قمع حركة النهضة بعد انتخابات 1989 فقد أدرك أنها التيار السياسي القوي و القادر على منافسة حزب التجمع و إحراجه رغم كل محاولات التزوير و التدليس . لقد اختار الشعب حركة النهضة وهي الآن الحزب القوي في الحكومة الإئتلافية لأنّه يريد القطع مع الماضي و بداية مرحلة جديدة , وقد اختارها أيضا لأنّه يريد المصالحة مع هويته العربية الإسلامية التي أراد البعض من المتطرفين العلمانيين و اللائكيين مسخها بل و حتّى التعدّي على مقدّسات الشعب التونسي , لقد عاشت بلادنا حربا ضروسا على مقوّماته الحضارية و دينه و لغته لتغريبه و إخراجه من أمته العربية الإسلامية . يعقد مؤتمر الحركة وسط تساؤلات عديدة عن موقف الحركة من قضايا عديدة يجب الحسم فيها وهي اليوم محلّ تجاذبات سياسية بين عديد الأطراف داخل الترويكا أو المعارضة كشكل النظام السياسي و العلاقة بين الرئاسات الثلاثة و مستقبل التحالفات القادمة و عودة فلول النظام السابق بكل وقاحة في الساحة الإعلامية و السياسية بعد أن تواروا عن الأنظار بعد الثورة بفضل الإعلام الذي مازال لم يواكب الثورة و بقي صوتا لأبواق النظام القديم بسبب البطء و التردد في عملية التطهير و محاسبة رموز الفساد , فمن العار أن يحافظ المطبّلون و المنبطحون ومن نظّر لنظام الإستبداد على مواقعهم . فأين القائمة السوداء للإعلاميين و البوليس السياسي من الصحفيين الذين أمعنوا في التطبيل و تشويه المعارضين الشرفاء من مختلف التيارات السياسية . يعقد مؤتمر حركة النهضة وسط توقعات بعودة الشيخين عبد الفتاح مورو و صالح كركر إلى الحركة بعد غياب طويل ووسط صعود كوادر شبابية ميدانية إلى المناصب القيادية . إنّ حركة النهضة مطالبة اليوم و أكثر من أي وقت مضى بإعادة النظر في سياستها الإعلامية وهي التي تتعرض لحملة شرسة و تشويه ممنهج لضربها و معاقبة الشعب على اختياره . يحضر مؤتمر حركة النهضة شخصيات عديدة مناضلة كرئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية خالد مشعل و السيد عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية و مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الإنتقالي الليبي و ممثّلون عن عديد الأحزاب الأوروبية و آخرون من الداخل و الخارج في حين تمّ استثناء الأحزاب المستنسخة من التجمّع المنحل كنداء تونس الذي أعلن الباجي قايد السبسي عن انشائه منذ مدة و سيحضر المؤتمر أكثر من 300 صحفي عربي و أجنبي .سيكون التصويت لأول مرّة إلكترونيا وهي سابقة في تونس و العالم العربي و يعود الفضل في ذلك لمهندسي الحركة الذين اجتهدوا في هذا الإبتكار الفريد . الكل في انتظار ما سيسفر عنه مؤتمر الحزب الأكبر في تونس وهي تجربة مميّزة في الديمقراطية داخل الأحزاب لأنّ النقاش سيكون ساخنا كسخونة صيف هذا العام و سخونة الأجواء السياسية التي تعيشها تونس هذه الفترة. نرجو النجاح و التوفيق . تحيا الثورة , تحيا الحريّة , تحيا تونس.