بقلم الأستاذ: أبولبابة سالم أطلّ علينا بعد غياب , كنّا نتصور أنه اعتكف لمراجعة أسباب الهزيمة المذلّة يوم 23 أكتوبر ضمن قطبه الحداثي الذي انفصل عنه بعد ذلك بسبب خلافات العادة بين الرّفاق وفهم جيدا رسالة الشعب التونسي في الإنتخابات و لكن يبدو أن آثار الصدمة أثّرت على ملكة النقد و التحليل لتحلّ محلّها لغة التهجم و التخويف التي تحمل في طياتها شعورا باطنيا بالإنكسار و تكرارا لخطاب الهزيمة المدوّية , فعادت حليمة إلى عادتها القديمة . انتظرنا مؤتمرا صحفيا للمساهمة في معركة البناء و معركة محاربة الفقر و التهميش و البطالة و معركة تحقيق أهداف الثورة و التبشير بحملة وطنية لفائدة جرحى الثورة , لكن السيد محمد الكيلاني اختار للتونسيين معركة أخرى اعتبرها أمّ المعارك بل معركة مصيرية , معركة حياة أو موت , إنها المعركة مع حركة النهضة { لا حول و لا قوة إلا بالله}. الفاشية الدينية على الأبواب و لابد من مواجهتها. ارتعدت فرائص النهضة و استنفرت دفاعاتها البرية و البحرية و الجوية و شكلت غرفة عمليات و أعلنت حالة الطوارئ و استفحل الخوف وعمّ الهلع في صفوف أنصارها و بلغت القلوب الحناجر فالخطر قادم و الخصم جبّار و عنيد و أنصاره يملؤون الساحات. السيد محمد الكيلاني منشغل و قلق على وضع البلاد و العباد وهو كغيره لا يجد فرصة إلا للهجوم على النهضة , لكأنها جاءت من المريخ أو هو كيان غريب عن مجتمعه وهو في الحقيقة يخدم هذه الحركة من حيث لا يدري فتكون دائما حاضرة و لو كانت غائبة .السيد الكيلاني و حزبه العتيد لا شغل لهم سوى النهضة فقد اعتبر في بداية التسعينات من القرن الماضي و في ظل نظام الإستبداد أن مواجهة الإسلاميين أولى من مواجهة نظام بن علي بشهادة السيد حمة الهمامي , و شكّل هو و غيره الغطاء السياسي و الثقافي لقمع الحركة الإسلامية في محرقة التسعينات الرهيبة . و هذا الثوري بارك خطاب المخلوع الأول بعد ثورة 17 ديسمبر ووصف جماهير الشعب الغاضبة و الثائرة بالمخربين و الخارجين عن القانون في مقال بجريدة الصباح بتاريخ 2 جانفي 2011 . إنّ بعض النخب لا تعيش للأسف الشديد إلا على الفتن و استعداء التونسيين ضد بعضهم البعض و ترفض التعايش مع من يختلف معها في الرأي ثم تدّعي الديمقراطية و الحداثة , إنهم منظرو التيار الإستئصالي يطلّون من جديد و يريدون فرض تصوراتهم الطوباوية و لا يريدون للعقل أن يتطوّر . تيّار يعادي هوية الشعب و يرفض النقد الذاتي و يتصور أنه قادر على وقف انسياب التاريخ , نخب أصابها الإفلاس الفكري و السياسي و تريد أن تخوض معارك وهمية لا توجد إلا في أذهانها .السيد الكيلاني بلغ من العمر ما يزيد عن الستّين و نظنّه تجاوز مرحلة المراهقة السياسية و الأجدى له و لأمثاله أن يفكر في مصلحة بلاده و يبحث عن خطاب يجمع التونسيين أما الفرقعات الإعلامية و العنتريات الوهمية فهو يدرك قبل غيره أنّ صداها لا يتجاوز القاعة الموجود فيها . و إذا لم يهضم تونسالجديدة الحرة الديمقراطية التي تتسع لجميع أبنائها فعليه بالصّبر, فالصّبر مفتاح الفرج و كان الله في عونك إنّه مجيب الدعوات و مفرّج الكربات .