د.خالد الطراولي* أغرب ما قرأته وسمعته هذه الأيام طلب أحد النواب من فصيل معين ينادي فيه بمنح النواب منحة تقاعد بعد الانتهاء من صياغة الدستور وعاضده في طلبه 113 نائبا من بعض التيارات السياسية! كتبت مرة وأنا أستعرض مرتبات نواب المجلس بالدعوة إلى قليل من الحياء، أعيدها اليوم وأصر... كل الغرابة في هذه الجرأة التي اصبحت بعض الأطراف السياسية تحملها تجاه هذا الوطن وأوضاع أهله وذويه وتجاه هذه الثورة وكأن هذه الدولة الجديدة ليست إلا بقرة حلوبا فاقع لونها تسر الناظرين. القضية أبعد من طرح سياسي وميولات وأذواق، القضية أخلاقية بامتياز... هل بامكان تذكير نوابنا الأفاضل بأن وجودهم تحت قبة التأسيسي هو واجب وطني أملته ثورة مجيدة سالت فيها الدماء الطاهرة والدموع الحزينة، ومسؤولية أمام الله والتاريخ والوطن... هل بالامكان إعلامهم ولو برقيا ودون ساعي بريد أن تونس تعيش فترات صعبة من توترات واعتصامات وبطالة عالية وارتجاج في دورتها الاقتصادية وتوتر في ميزانها التجاري ونزول في قيمة عملتها في ظل وضع عالمي مخيف ومفتوح على المجهول... هل نبلغكم عذابات الفقراء والمعوزين وآلامهم في هذه المرحلة الحساسة من بناء البلاد، وهم ينتظرون ثمار الثورة التي نسيت عنوانهم أو تخلفت عن الموعد، هل نعلمكم بأن لنا جرحى ومناضلين مرميين على الرصيف يريدون أن يحلموا وأحلامهم أصبحت كوابيس! سادتي الأفاضل لو فتحت آلة حساب وأجريت لكم حسابا بسيطا، لوجدت أن أقلكم بضاعة سوف يغادر المجلس بعد أكثر من سنة ونصف وفي جيبه أكثر من 50 ألف دينار... أليس هذا كافيا وزيادة أن يضمن لكم عيشا كريما على مرّ الأيام... لعلكم سوف تقولون هذا من فضل ربي! نقول لكم ومن فضل الله عليكم أن سخركم لخدمة هذه البلاد وأهلها الطيبين، فكونوا في الموعد وكونوا مسؤولين...لعلكم قد تيقنتم بأنها آخر أيامكم هناك، لعلكم عرفتم أن هذا الشعب الأبي لا يلدغ من جحر مرتين، فخيرتم النجاة والخلاص ولو في جنح الظلام وعلى ألواح مساميرها صدأة! ليس المجلس مطمورا وليست تونس مطمورا لبعض أهلها دون بعض، وإن كانوا نوابها، ولكن مطمورا لكل أبنائها مهما شرقت أو غربت سفينته. إن السياسة كما علموها لنا وكما مارسها العديد ولازال البعض يعمل بها مكيافلية تامة حيث حب الأنا وخدمة الذات ولو على حساب الصالح العام، إن السياسة كما عرفناها في مقدسنا هي خدمة الناس، هي تكليف وليس تشريف، إنها بعد من أبعاد الحياة المحكمة بطوق من القيم والأخلاق وبارتباطها بالسماء، ولو راجعنا سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وهو يسير دواليب دولته للمسنا أبعاد الروحانية والربانية والأخلاقية والواقعية تمتزج في خليط نظري وعملي عجيب، ليظهر رجل الدولة ورجل المجتمع على السواء. كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاصي عامله على مصر : من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمر وبن العاصي : سلام عليك فإنه بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد ، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك فاكتب إلي من أين أصل هذا المال ؟ ولا تكتمه. فكتب إليه عمرو بن العاصي : إلى عبد الله أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وإنه يعرفني قبل ذلك لا مال لي وإني أعلم أمير المؤمنين أني في أرض السعر فيه رخيص ، وإني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله... فأجابه عمر...، وقد بعثت إليك محمد بن سلمة فشاطره مالك ، فإنكم أيها الأمراء جلستم على عيون المال لم يزعكم عذر تجمعون لأبنائكم ، وتمهدون لأنفسكم ، أما إنكم تجمعون العار ، وتورثون النار ، والسلام.