بقلم الأستاذ بولبابة سالم 1/ من زقزقة العصافير إلى سبّ قناة الجزيرة يريدون أن يكونوا رجال كل العهود, بعد أن تمعّشوا في العهد السابق و نالوا ما طالت أيديهم المرتعشة من امتيازات و عطايا و ترقيات و شقق و مقاسم و سفرات و أموال تحت الطاولة و فوق طاولات موائد اللئام , بعد أن سبّحوا لبن علي بُكرة و عشيّا انقلبوا عليه بعد أن أصبح نسيا منسيّا . لعلّ بعضهم كان أكثر رجولة لما اختار الإستكانة و اعتزال السياسة و لم يسبّ وليّ نعمته . لمّا نسمعهم اليوم يتحدّثون عن الثورة و الشهداء و يكرّرون عبارة " المخلوع " فإنهم يحاولون جاهدين غسيل تاريخهم القذر و المتعفّن بعدما كانوا يصولون بين المنابر الإعلامية و يقصون كل من لا يتمسّح على أعتابهم ليعطوه صكّ الغفران و يقع تسجيله في قائمة المقبولين أو المتحمّسين بعد غربلة لا تخلوا من ممارسات شيطانية بعضها غير أخلاقي . لقد طلع علينا أحدهم بزقزقة العصافير ترحيبا بسيادة الرئيس , و لا أعلم ماهي الكيمياء التي تجمع بين إطلالة الرئيس السابق و ترانيم الطيور فلعلّهم يسبّحون كما تسبّح الطير خضوعا لربّ الكون , ألا ساء ما يشبّهون . و اليوم يتحدّث عن المضايقات التي تعرّض لها في العهد البائد فهل توجد وقاحة أكبر من وقاحتهم . أما الآخر فقد اختصّ بسبّ و شتم قناة الجزيرة عندما كانت تكشف عورات النظام السابق التي لا يستطيع الثوريون الجدد من جوقة الإعلام القديم فضحها لجبنهم وهو ما يفعلوه اليوم بعد أن فقدت الشجاعة و الرجولة معناها بعد 14 جانفي , لقد صمتوا بعد أن كان للكلمة الحرّة ثمنها الذي يعرفه أصحابها و اسألوا المناضلين الأشاوس من سليم بوخذير إلى نزيهة رجيبة إلى توفيق بن بريك و زهير مخلوف إلى صحفيو جريدة " الموقف " التي كانت صوت المعارضة التونسية , ومن المضحكات المبكيات أن تعمد إحداهنّ وهي من رموز الفساد في الإذاعة الوطنية إلى رفع شعار " ديقاج " في وجه الصحفي المناضل لطفي حجي رئيس أول نقابة وطنية للصحفيين سنة 2005 لولا تدخل بعض الشرفاء , حصل ذلك يوم إضراب الصحفيين يوم 17 أكتوبر في مقر نقابة الصحفيين . و من الطرائف أن أحد الصحفيين من الذين استوطنوا قناة حنبعل يوم الأحد قد أصبح ثوريا وهو الذي كان يشتم قناة الجزيرة لأنها تنتقد النظام السابق بل كان لا يقبل أيّ عمل و لو كان فنيا تتبنّاه القناة فأصبح اليوم يدافع عن الإعلام الحرّ و الثورة و الكرامة في مشهد يذكّرنا بالصعود إلى الهاوية , ألم أقل بأنهم يريدوا أن يكونوا رجال كل العهود , لكن التاريخ لا يرحم . بعض الإعلاميين اليوم من الجوقة القديمة عادوا كمرتزقة عند بعض الأحزاب لتسويق مواقفها و ضرب خصومها بسبب خبرتهم القديمة في الشتم و هتك أعراض المعارضين السابقين فصاروا اليوم بعد بيع ذممهم مدّاحين لمن برعوا في تشويهه , و بالمال تشترى المعادن الصلبة كما جاء في برتوكولات حكماء صهيون لكن هؤلاء لا معدن لهم بل هم أقرب إلى الصلصال لقدرتهم على التلوّن و إعادة التشكّل , و سبحان مغيّر الأحوال. 2/ نوّاب التأسيسي في المزاد : المتابعون للميركاتو الصيفي لكرة القدم – و أنا منهم – فاجأتهم ضخامة الصفقات التي أبرمتها الأندية التونسية الكبرى هذا العام بعد دخول رجال الأعمال على الخط في سوق اللاعبين , لكن سوق اللاعبين نافسها سوق موازي هو أشبه بالتجارة الموازية . كثير من النواب الذين انتخبهم الشعب ضمن أحزاب ذات برامج محدّدة غيّروا لونهم السياسي كما يغيّر اللاعبون أزياء الفرق التي ينتمون إليها. لكن المقارنة لا تجوز في هذه الحالة فاللاعب مرتبط بعقد له قيمة مالية أما نوابنا فقد انتخبوا على أساس ألوانهم السياسية و برامجهم فإذا بهم يطوفون بين أحزاب أخرى بحثا عن مستقرّ جديد و منهم – و يا للعار- من تجوّل بين أربعة أحزاب . لقد دخل المال السياسي القذر على الخط و أصبح بعض النواب خاضعين لمبدأ العرض و الطلب , هل يمكن لمن كان في العريضة الشعبية و يدافع عن الصحة المجانية و منحة البطالة و التنقل المجاني أن يدخل في حزب يدافع عن زواج القاصرات و الجواري ؟ بعض هؤلاء دخلوا في الإتحاد الوطني الحر مع سليم الرياحي قبل التحاقهم مؤخّرا بحزب البحري الجلاصي, و هناك من انتخب ضمن التكتل من أجل العمل و الحريات ثم تحوّل إلى نداء تونس , و آخرون هم بصدد إعادة التشكل و التموقع بعد دراسة العروض للأسف الشديد. أتفهّم غضب بعض النواب من سياسة أحزابهم بعد الإنتخابات أو انزياح تلك الأحزاب عن البرامج التي انتخبت من أجلها وهو أمر قد يدفعهم لتجميد عضويتهم في مرحلة الأولى لإتاحة الفرصة للنقاش و تعديل الأوتار ثم الإستقالة في مرحلة ثانية كما تفعل الديمقراطيات العريقة إذا انعدمت الحلول , أما الإرتماء في أحزاب أخرى فهو خيانة لمن انتخبهم . الواقع السياسي التونسي مريض و المسكّنات لا تكفي فإذا استفحل الورم لابد من استئصاله , و منطق الثورة لا يقول بأنصاف الثورات فهي بطبعها تغيير جذري للنظام و أدواته , رحل بن علي و بقي العابدين و مازالت الأدوات أو "السيستام " فاعلا إلى اليوم في كل القطاعات.إنها مسؤولية الحكومة بدرجة أولى و مسؤولية القوى الثورية التي لا يجب أن ينسيها الصراع السياسي أهداف الثورة . و تحية لكل من حافظ على مبادئه و لم يدخل سوق النّخاسة السياسية و الإعلامية .