حسان لوكيل حسبنا بعد حوالي عام و نصف من انتخابات 23 أكتوبر 2011 أن خطاب جزء كبير من المعارضة سيتغيّر و أنها تجاوزت فترة المراهقة السياسية و نضجت أفكارها و اكتسبت بعضا من الرصانة و الحكمة بما يجعلها معارضة وطنية قد تناوئ الأطراف الحاكمة حول البرامج و السياسات و قد تتفق معها على الأهداف و خاصة إرساء نظام يقوم على الحرية و التعدّدية و يقطع مع الفساد و الإستبداد . لكن كما هو واضح بعد إعلان رئيس الحكومة المكلف علي العريض عن تركيبة الحكومة الجديدة فإن خطاب المعارضة بقي هو نفسه و منهجها في التعامل مع الأطراف الحاكمة هو منهج كما يقال بالعامية " قاتلك قاتلك " . للأسف هكذا تفكّر المعارضة في تونس و دعنا نقول جزء كبير منها حتى لا نعمّم فالحديث عن فشل حكومة علي العريض قبل أن تشرع في العمل دليل على ذلك حيث أن نفس الوجوه التى كانت تتحدّث عن فشل حكومة الجبالى قبل أن تباشر مهامها بدأت تتحدّث عن فشل العريض و حكومته بعد دقائق من إعلان تشكيلها . بغض النظر عن آداء حكومة الجبالى و عن تصورات حكومة العريض و سياساتها التى سيتم الإعلان عنها فالمسألة لم تتعلّق يوما بالبرامج و الخيارات فلو فرضنا أن الأطراف الحاكمة فاشلة و ليس لها برامج أصلا كان على المعارضة أن تلعب دورها كما في الدول الديمقراطية التى تحترم نفسها و تقدّم حلولا و مقترحات لمعالجة مشاكل البطالة و التنمية و غيرها من المسائل التى لا يتحدثون عنها سوى أمام آلات التصوير . لكن مفهوم الديمقراطية لدى المعارضة التونسية مختلف عن مفهومها في العالم الأجمع , فليس الأغلبية من تحكم و دور المعارضة ليس تقديم برامج و حلول بل هو يقتصر على تنظيم الإحتجاجات و التحريض على الإضرابات و رفض كل ما تقوم به الحكومة و ما تتّخذه من قرارات . طاغية حكمنا بيد من حديد 23 سنة يناشدونه المواصلة.. ورجل انتخبه الشعب لم يبدأ الحكم بعد يصفونه بالفشل موقف قيادات المعارضة بشأن تركيبة الحكومة الجديدة دليل على ذلك فبعد أن تم تلبية أغلب مطالبهم من تحييد لجميع وزارات السيادة و التقليص من عدد الوزراء و أيضا الإتفاق على تنظيم مؤتمر وطني للحوار برعاية المجلس التأسيسي كذلك تحديد موعد الإنتخابات , كان موقفهم التشكيك في حيادية المستقلّين الذين تم تعيينهم بالأساس في وزارات السيادة و أعلنوا نبوءة جديدة قديمة و هي فشل الحكومة . شعار المعارضة إذا هو لا خير في أمة تحكمها النهضة , أنت نهضاوى إذا أنت فاشل فمهما كانت الشخصيات في حكومة , حركة النهضة طرف فيها ستكون فاشلة و مهما كانت المقترحات و السياسات التى تشارك في تقديمها و انجازها حركة النهضة لن تنجح و إذا وجد النهضويون في اجتماع فلا جدوى منه و إذا كانوا طرفا في مجلس فيجب حلّه . المعارضة أثبتت أنها لا تزال تفكّر منذ أكتوبر 2011 بنفس الطريقة فهي لم تتقبل وصول إسلاميين إلى السلطة و كانت رافضة لتحالف التكتل و المؤتمر معهم و تروّج منذ ذلك الوقت في الداخل والخارج إلى أنهم من المنافقين و دخلوا تونس بعقلية الفاتحين و سيتراجعون عن المكاسب التى تحقّقت للمرأة و الطفل و حتى المسنّين و فتحوا الأبواب أمام المتطرفين و سيحكّمون الشريعة و الدين و يفرضون تعدّد الزوجات و سيقطعون الأيدى و يأخذون الجزية من غير المسلمين و مهما فعلوا خلاف ذلك فسيكونون من الفاشلين . للأسف فإن معارضة كهذه لا يمكن أن ننتظر منها أن تكون قائدا أو حتى شريكا في البناء و الإصلاح و القطع مع الماضى حيث كان من الأجدر أن تلعب دور صمام الأمان و تكون مصحّحة للمسار لكنّها على عكس ذلك ساهمت في تحويل وجهة القضايا الرئيسية من قضاء على الفقر و الأمية و توفير الشغل و ارساء تنمية عادلة و تحقيق العدل و العدالة و الحرية إلى نقاشات حول الهوية و المكاسب البورقيبية و حقوق الشواذ و الحريات الجنسية و الأمهات العازبات و العلاقات الغير شرعية و ختان البنات و زواج الأجنبي من تونسيّة و يبقى السؤوال المطروح مت يصبح هناك في تونس معارضة وطنية ؟