بقلم الطاهر بن يوسف* إن قانون الطبيعة جعل من المستحيل خلط الزيت بالماء و حكم على المادتين بعدم انصهار هذه في تلك، لان مكوناتهما و تركيبتهما مختلفتان و متناقضتان تماما ، لذلك عندما يجتمعان في إناء واحد يأخذ كل منهما مكانه و حجمه . و تناولهما معا يتسبب بالتأكيد في سوء هضم وأشياء أخرى ... و ينطبق قانون الطبيعة هذا على "نداء تونس" : هذا الحزب الهجين الذي تجمّع في صلب قيادته من هبّ و دبّ من السياسيين الذين لا رابط يؤلف بينهم سوى معاداتهم لحركة النهضة من جهة، و الطمع في الحصول على احد المناصب من جهة أخرى . و قد تحدث عن هؤلاء الصحفي "سفيان بن فرحات" في إحدى القنوات التلفزية قائلا باللهجة العاميّة : ("هم بمثابة مجموعة من الأشخاص "متحامين في صحن كفتاجي").. كما قال بشأنهم الصحفي نفسه : (إنهم عبارة عن مجموعة من الرّكاب التقوا في محطة أرتال و هم بصدد الحديث عن مشاكل الساعة، و في النهاية سيمتطي كل واحد منهم القطار القاصد لوجهته" . و أكيد أن هذا التنظيم المتآلف من عناصر تنتمي إلى مشارب و اتجاهات سياسية متباينة و متضادة أحيانا فكريا و إيديولوجيا (تجمعيون، يساريون ، ليبيراليون، نقابيون، الخ...) ما كان له أن يظهر على الساحة السياسية لولا الصعوبات التي عرفتها البلاد خلال المرحلة الانتقالية، و نقص تجربة حكومة الترويكا في تسيير الشأن العام. و من المفارقات العجيبة أن "حزب نداء تونس" لم يطرح على الرأي العام إلى حد الساعة برامج لا سياسية و لا اقتصادية و لا اجتماعية أو غيرها، و قياديوه لا همّ لهم سوى تصيّد أخطاء الحكومة و التشهير بها و عدم تقديم رؤى و تصورات بديلة. و في هذا الصدد يقول الأمين العام للحزب الطيب البكوش في حوار أجرته معه صحيفة "المغرب" ضمن عددها ليوم 12 مارس 2013 أن برنامج حزبه: "جاهز و هو في طور النقاش في الهياكل ، و يمكن أن يصبح جاهزا تماما خلال الثلاثي الثاني " أما عضو المكتب التنفيذي للحزب نورالدين بن تيشة، فصرّح إلى إحدى القنوات التلفزية بشأن نفس الموضوع أن "حزب نداء تونس" سيعلن عن برنامجه قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة . و كأنّ برامج الأحزاب لا يقع التعريف بها إلا بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية. و بخصوص تركيبة قيادة هذا الحزب المعروفة بعدم تجانسها فكريا و سياسيا فقد شبّهها عضو الهيئة التنفيذية المنذر بلحاج علي خلال حوار تلفزي بالفريق الوطني الذي يضم في صفوفه لاعبين مختارين من عدة فرق، و ذلك في إشارة منه إلى انتماءاتهم السياسية المختلفة. و هذا التشبيه هو نوع من الضحك على الذقون أو لنقل بالأحرى هو الدمعجة ذاتها على اعتبار أن المقارنة في هذه الحالة بين السياسي و الرياضي لا تجوز لأنه طبيعي جدا أن يقع الاختيار على العناصر البارزة أكثر من غيرها لتشكيل فريق وطني رياضي. أما في السياسة فإن الأمر يختلف تماما، و أبجديات هذا المجال تقتضي أن يكون المكوّنون لأي حزب سياسي من نفس المدرسة أو التوجه الإيديولوجي مع احتمال وجود اختلافات بسيطة فيما بينهم قد ينجر عنها تشكل تيارات معيّنة داخل الحزب ،و هذا أمر طبيعي و يحصل في كل التنظيمات السياسية . و اعتقد أن الرأي العام الوطني ستعود به الذاكرة إلى هذا التشبيه الخاطىء عند أول استحقاق انتخابي لأن هذا "الفريق الوطني الندائي" المزعوم سوف يعرف زلزالا رهيبا و السبب معلوم و إن غدا لناظره قريب. هذا بخصوص الاختلافات، أما الخلافات داخل هذا الحزب سواء على المستويات القيادية أو الجهوية أو المحلية ، فهي ليست خافية على أحد ، غير أن التصريحات الرسمية ما انفكت تؤكد سابقا أن روح الانسجام هي السائدة، إلى أن شهد شاهد من أهلها، و جاءت اعترافات فوزي اللّومي عضو الهيئة التنفيذية للحزب أثناء حصة "الصراحة راحة " بقناة حنبعل لتكشف القناع عن حقيقة الأوضاع و الصراعات القائمة بين القيادات ، حيث تحدث عن خلافاته مع عضوي الهيئة التنفيذية للحزب عبد العزيز المزوغي و خميّس قسيلة . كما تحدث عن مقاصد أعضاء المجلس التأسيسي المنضمين حديثا لحزبه من الالتحاق بصفوف هذا الأخير، مؤكدا أنهم فعلوا ذلك حتى يضمنوا لأنفسهم مقاعد بمجلس النواب المقبل. هذا و قد لفت الانتباه في نفس هذا الحوار ما أتاه المعني من تمجيد لبعض سياسات بن علي و تبريره لزيارة شقيقته لإسرائيل. و لتهدئة الخواطر، و احتواء التداعيات المحتملة لتلك التصريحات على الحزب، سارع الباجي قائد السبسي إلى إصدار بيان أكّد فيه أن أقوال اللّومي لا تلزمه إلا هو، و لا تعبّر إلا عن رأيه الشخصي ليس إلا. و عقدت بعد أيام الهيئة التنفيذية اجتماعا وقع خلاله النظر في الموضوع، و عادت بعده نغمة التصريحات القديمة التي كانت و إلى وقت قريب تتحدث عن الانسجام و روح التفاهم و المودة السائدة في صفوف قيادة الحزب . هذا و تؤكد مصادر مطّلعة ان الخلافات السياسية لأعضاء قيادة "حزب نداء تونس" مشكل سيظل قائما و لا يمكن تجاوزه مهما حاول البعض ادعاء العكس. و التفسير الموضوعي لذلك يكمن أساسا في كون الاختلافات السياسية و الإيديولوجية خلقت حالة تنافر و عدم قبول بالآخر لدى الأغلبية، من ذلك ما تؤكده عناصر "ندائية" من أن الأمين العام الطيب البكوش ليس راضيا على وجود بعض التجمعيين داخل قيادات الحزب على غرار كل من فوزي اللّومي رجل الأعمال المعروف ، و شقيقته سلمى و كذلك رؤوف الخمّاسي المنسق العام لنداء تونس بالخارج. أما الباجي قائد السبسي هذا الرجل الذي لازلنا نسمع- بمناسبة و بغير مناسبة- التصريحات الممجدة له من طرف اغلب القياديين لحزبه، فقد طالته مؤخرا بعض الانتقادات بسبب ما جاء على لسانه خلال اجتماع قصر هلال المنعقد يوم 2 مارس 2013 من دفاع عن حق التجمعيين في العمل السياسي على خلفية أن ذلك يتناقض مع ما قامت به حكومته من إقصاء لهؤلاء خلال انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي جرت في 23 أكتوبر 2011 بواسطة المرسوم 15. هذا كما كانت لتصريحاته التي أدلى بها إلى صحيفة "الصريح" الصادرة يوم الأحد 17 مارس 2013 صداها السيئ، لا سيما إجابته عن سؤال يتعلق بتسريبات إعلامية حول أدائه زيارة إلى إسرائيل و التي جاء فيها ما يلي : "بالنسبة للحديث عن تعاملي مع إسرائيل لا أريد الحديث حول الموضوع و لا أؤكد و لا انفي لكن أنا لم أزر إسرائيل أبدا و أنا منفتح على العالم أجمع و أتعامل مع الجميع... " و من خلال هذا التصريح فٙهِمٙ الجميع أن إجابته تحمل في طياتها ما قد يؤكد ان الاتصالات موجودة فعلا بينه و الإسرائيليين ،و لو كانت الحقيقة عكس ذلك لفنّد الخبر جملة و تفصيلا. إن حزب نداء تونس الذي هو في الواقع تنظيم التقت داخله مصالح معلومة لعدد من الأشخاص مرتبط عضويا بشخصية الباجي قائد السبسي، و هو يبشر التونسيين بإعادة إنتاج بورقيبية جديدة من ثوابتها عبادة الأشخاص، و استعمال كل الأساليب للوصول إلى السلطة. و ما نسمعه يوميا من طرف هؤلاء في المنابر الإعلامية يوحي للإنسان أنهم هم الذين أنجزوا الثورة أو أن هذا الزلزال الثوري الذي رجّ البلاد جاء من اجل تحقيق طلبالتهم. و في الختام أطرح تساؤلا ستجيبني عنه الأيام حتما إن آجلا أو عاجلا، و هو التالي: ما مصير حزب نداء تونس إذا غاب عنه السبسي (أطال الله في عمره) لسبب من الأسباب؟ *الطاهر بن يوسف كاتب تونسي، مؤلف كتاب: "القوى المضادة للثورة في تونس" بالاشتراك مع الكاتب محمد المختار القلالي