اعتبر صلاح الدين الجورشي أن ظهور التيار السلفي في تونس فاجأ الدارسين للحركات الإسلامية كما فاجأت الثورة التونسية العالم العربي والإسلامي، وأشار الجورشي إلى أن ظهور الحركات السلفية الجهادية في تونس انطلق قبل الثورة، وبالضبط عام 2004، حيث ظهرت أول بوادر التشدد السلفي مع رعاية وتدريب الجماعة السلفية الجزائرية في سياق ُبروز تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وأضاف الجورشي، في حوار خص به ''هسبريس'' أن المواجهة العنيفة كانت مع بداية عام 2007 في منطقة اسليمان القريبة من العاصمة. وعن تفسير الجورشي لأسباب نشوء الظاهر الإسلامية في طبعتها السلفية الجهادية، اعتبر المتحدث أن أول تعبير رسمي عن بروز هذا التيار كان بمثابة رد فعل عن سياسة تجفيف منابع التدين التي نهجها نظام بنعلي وحملة الاعتقالات العشوائية، ناهيك على محاربة النظام السابق لكل أشكال التدين كمنع الحجاب بمبرر طائفي ومنع المحجبات من التداوي في المستشفيات العمومية ومنع المواطنين من منع بعض الصلوات في المسجد، الشيء الذي أدى إلى تكفير النظام من لدن هذا التيار. وبعد الثورة، يضيف الجورشي، أطلقت حركة النهضة مع الحكومة الأولى صراح معتقلي الرأي، وكان من جملتهم تيار السلفية الجهادية في تونس، حيث استفادوا من أجواء الحرية كما استفادوا أيضا من فضاء المساجد التي وظفوها لأهداف التوسع وبسط السيطرة في صفوف المواطن التونسي، ثم المشاركة في النقاش العام حول شكل الدولة وطبيعة الدستور باعتبارهم تيارا يحظى بشعبية وليس حزبا سياسيا. وعن السياسة المنتهجة لمعالجة الظاهرة، يميز الباحث بين مقاربيين: هناك المقاربة الأمنية التي يستبعدها كخيار بديل، والتي لم تثمر نتائج إيجابية في بعض الدول العربية، مع حرصه على الحفاظ على هبة الدولة ودون التفريط في الأمن العام، غير أن الجورشي فضل المقاربة الثانية المتمثلة في الخيار السياسي الديمقراطي، وذلك عبر صياغة سياسة استراتيجية في الاقتصاد، لاسيما في المناطق والأحياء المهمشة التي تعتبر خزانا لإنتاج المزيد من مظاهر التشدد والتطرف، هذا بالإضافة الرفع من جودة الخطاب الديني المتميز بالعقلية النقدية والمنفتحة على القيم الحضارية والتثقيف المدني على قيم المواطنة والحرية والمسؤولية.