بقلم حاتم الكسيبي قالوا هذه شرعية الشارع فهو الذي انتخب وعيّن وله الحق أن يعزل كلما حاد الرئيس المنتخب عن مبادئ الثورة. قال شيخ الأزهر أردنا حفظ دماء المصريين و تجنب انقسامهم إلى شقّين فأيّدنا عزل مرسي. قال البرادعي "النّووي"، مخرّب الدول، أنّ التمرد يستند على لملايين القابعين في ميدان التحرير و لا يمكن تجاهل مطالبهم ثم أردف عمرو موسى "وزير خارجية مبارك" أنّ ما يحدث هو تصحيح لمسار الثورة. سمعنا هذه التعلات أوّل أيام العزل وحاولنا أن نفهمها ونصدقها لا سيّما أنّ جزءا من المصريين بان جادّا في مطالبته بتنحية مرسي، و لكنّنا لم نفهم ولم نقبل تهليل بعض التونسيين لما اصطلح على تسميته "تمرّد" فاستغربنا القياس على وضع تونس المختلف إجمالا على ما يدور في مصر وتركنا الأيام تحكم على ما صار. لقد بدأت تتهاوى الحجج و تنكشف المؤامرة منذ الساعات الأولى التي تلت الإعلان عن العزل و قبل تأدية القسم للرئيس المعين فعلمنا أن هناك أطرافا عديدة تعبث بمستقبل مصر و وحدتها، وأنّ أطرافا تونسية تأمل في توريد هذه التجربة الفذة من مصر بعد أن صدّرنا لهم منذ سنتين الثورة. تهاوى المخطط بأكمله وسقط القناع الخليجي الإسرائيلي، فارتبك الأمريكان والأوربيون أساتذة الديمقراطية و ظهرت مهازل و مواقف صبيانية عصفت بالغطاء الشعبي وكشفت أن الشرعية "الشعبية" المزمع إنتاجها و تصديرها لباقي الدول مسرحية سيئة السيناريو و الإخراج و التمثيل. لعل العديد من المتابعين توقف عند عديد الملاباسات و استنتج ما قيل من قبل، فاستغرب أول الأمر إغلاق القنوات التلفزية و إيقاف الصحافيين فعلم دون عسر أن مهندس الانقلاب قد اختار جهاز امن الدولة لتنفيذ المشروع، فهذه الممارسات القديمة المتجددة قد حفظت في أدراج منذ سنين و لكن الحنين و سرعة اللجوء إليها كانت البعرة التي تدل على البعير. أما ثاني المهازل فيتمثل في حالات الاغتصاب والتحرش التي صحبت "شرعية الشارع" و كنا من المترددين في تصديق ما ينقل من هناك ولكن ما حصل لمراسلة فرنسا 24 على الهواء بدد الشك و أجلى الحقائق وتيقنا من تجنيد البلطجية و أصحاب السوابق و المجرمين من قبل الانقلابيين وهذا لعمري خطأ ثان أصاب "تمرد" في مقتل. أما ثالث المهازل فقد أتى عبر البحر الأحمر عندما أبرقت السلطات السعودية تهنئة للرئيس الجديد قبل أن يُعلن اسمه و يقسم قسمه، و نحت الإمارات نفس الطريق فأعلنت التأييد وشاركهم الشارع الإسرائيلي الاحتفال و فتحت قوارير الشمبانيا و رقصوا وهتفوا "زالت الغمة". ولما اشتد الأمر و خرجت الجماهير بالملايين إلى الشارع و جابت عديد المدن و رابطت في عديد ميادين القاهرة مطالبة بعودة مرسي، خرست أفواه الديمقراطية وارتبكت حركة تمرد. لقد ضحكنا على شرعية "الشارع" وهي تسيّر المسيرات الرافضة لعودة مرسي مدعومة بقوات الأمن من كل جانب فتذكرنا مسيرات التجمع في تونس لما كانت تنقل على الهواء، وتذكرنا ليلة 14 من جانفي لما خرجت الآلاف في تونس تهلل و تزمر وتهتف ببقاء بن على. و لعل آخر المهازل التي تأتي من أرض الفراعنة ما قيل عن مجزرة الفجر من محاولة اقتحام مقر نادي الحرس الجمهوري من قبل مائتي مسلح و إيقافهم، فاستغربنا حادثا كهذا و قلنا ربما كنّا نصدقه لو حدث في سيناء أو في الفيوم أو على الحدود الليبية ولكن القاهرة لا يمكن أن تكون مسرحا لمثل هذه الحوادث وهي في وضع أمني مماثل وانتشار لمجمل القوات المسلحة. لعل "تمرمد تونس" تعي الأمر جيدا و تجتنب الوقوع في الأخطاء المشار إليها إن عزمت على الفعل، فجمع الإمضاءات و محاكاة ما حدث في مصر ينمّ عن إيمان بديمقراطية عرجاء فريدة من نوعها تشترط الانتصار قبل الانتخاب. ولا يسعني إلا أن أذكّر "تمرمد تونس" أن السيناريو يفرض عليها تحالفا مع السلفية فهلمّوا لأبي عياض إن وجدتم "سيسي" تونسي، و إن لم يكن فدعنا من لعب العيال.