عزل المؤسسة العسكرية للرئيس مرسي و الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين عن مواقع القرار السياسي ،زلزال هزّ المنطقة العربية وانحراف خطير في مسار ربيع الثورات العربية.. أحداث مصر الأخيرة خيّمت على مواقف العالم الذي انقسم بين مؤيد لقرار الجيش الذي أنهى حكما فاشلا للاخوان وانحاز للإرادة الشعبية وبين رافض لما اعتبره "سطوا" من العسكر على شرعية رئيس منتخب من الشعب. التونسيون اهتموا بالشأن المصري وتابعوا لحظة بلحظة مستجداته ومآلاته ،تدحرج الاخوان من أعلى سدة الحكم بنهاية ما تزال مفتوحة على سيناريوهات تبدو للمحللين والمتتبعين "مرعبة" ،أثار في تونس جدلا سياسيا محتدما بلغ صداه قبة المجلس التأسيسي حيث انقسمت آراء نواب الشعب التونسي "المتشنّجة" بين مصّر على شرعية مرسي و على انقلاب العسكر،وبين مؤيد لإرادة الجماهير المحتشدة في الميادين. كانت حركة النهضة الأشد شراسة في الدفاع عن محمد مرسي وجماعة الأخوان المسلمين وشرعيتهم في الحكم..حيث أكّدت أغلب قياداتها البارزة على أن ما حصل في مصر انقلاب عسكري على رئيس شرعي ،وقد دعا زعيمها راشد الغنوشي الشعب الذي انتخب مرسي رئيسا إلى الاعتصام بالميادين إلى حين استرداد الشرعية "المسلوبة " .. هذا الموقف من زعيم الحركة أثار حنق الكثير من النخب المصرية ومن شباب حركة تمرّد الذين اعتبروه تدخّلا سافرا في شؤونهم الداخلية، مؤكدين أن سقوط الإخوان في مصر سينتج عنه سقوط مشروع الإسلام السياسي في كامل المنطقة..كما أن هذا الموقف قد يؤدّي الى فتور في العلاقات الديبلوماسية المصرية – التونسية في مستقبل الأيام. لكن المواقف الأكثر دقة يترجمها موقف الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي عندما استبعد السيناريو المصري في تونس وموقف رئيس الحكومة علي العريض الذي استبعد هو بدوره تمرّد شق من الشعب التونسي على الحكّام لاختلاف الظروف، هذه التصريحات ليست مستساغة وفيها قدر كبير من الثقة المفرطة بالنفس و الغطرسة التي استفزّت جزء من الرأي.. نقول ذلك ونحن لا نتمنى لبلادنا السيناريو المصري الذي قد يقوّض نهائيا استقرار البلاد خاصّة وأنها بدأت تسترجع أنفاسها وتجد توازنها الاقتصادي والاجتماعي، لكن السياسي المحنّك يجب أن يبتعد عن الغطرسة وتصلّب المواقف وأن يتعامل مع المستجدات بواقعية وببصيرة ثاقبة تستقرئ المخاطر وتتحسّب لها بما يستجيب لتطلّعات شعوب عربية "غير المضمونة" و روح الثورة ما تزال تستبدّ بها.. كان يجب على السياسين أن يتشبثوا بجملة وحيدة "ما حدث يتعيّن الاستفادة منه" لا أن يكابروا..ويستخفوا..و يستنهضوا همم الشعوب الأخرى "للاقتتال"..لأنه وكما قال الشاعر" هي الأمور كما شاهدتها دول .. من سره زمن ساءته أزمان".