بقلم الأستاذ بولبابة سالم كثيرون من نخب الحداثة المزيفة و أدعياء الديمقراطية في البلاد العربية جاءتهم الفرصة ليثبتوا أنهم منسجمون مع أفكارهم و لتأكيد صدق مقولاتهم ، لكنّهم سقطوا في أوّل اختبار جدي , فقد هلل منظرو الدولة المدنية للانقلابات العسكرية كالذي حصلا بالجزائر في بداية التسعينات عندما تدخل الجيش لمنع وصول الجبهة الاسلامية للانقاذ الى السلطة بعد فوزها الساحق في الانتخابات كما صفقوا و رقصوا و غنوا و شربوا الأنخاب بعد انقلاب العسكر في مصر على الرئيس المنتخب محمد مرسي . الانحياز لمبادئ الديمقراطية و قيم الحداثة التي طالما صدعوا رؤوسنا بها لا يعني التقاطع مع فكر الاخوان المسلمين أو فكر حركة النهضة في تونس ، و لعل في أداء هذين الحزبين في السلطة /مع قياس الفارق/ كثير من الاخطاء و التردد و الارتجال في اتخاذ المواقف الحاسمة ، لكن عندما نتابع بعض القوى التي تدعي التقدمية و أخرى تتبنى قيم الحداثة تدعو الى تدخل الجيش وهي تدرك جيدا أن ذلك يتنافى مع مدنية الدولة نستخلص حجم النفاق الفكري و الانتهازية السياسية التي يمارسها هؤلاء بل و أيضا التقية الفكرية التي يتهمون خصومهم بها و هم يمارسونها علنا. لقد صدق الدكتور عصمت سيف الدولة عندما وصف هؤلاء بالمنافقين في كتابه /العروبة و الاسلام/ لأنهم يتظاهرون بأمر و يفعلون نقيضه ، انّهم يباركون الديمقراطية عندما يفوزون و يلعنوها عندما تلفظهم صناديق الاقتراع فظهروا أمام الشعب كمتعطشين للسلطة بأيّ ثمن و لو أدّى ذلك الى خراب الأوطان لأنهم مازالوا يعتقدون بحكم عمالتهم الحضارية للغرب طوال عقود أنهم أوصياء على هذه البلاد و لم يستوعبوا الثورة التي حصلت , فالحكم في نظرهم يجب ألا يخرج من جلبابهم و يذهب لمن اختارهم الشعب فقد تبين لهم أنّ الشعب غبيّ و جاهل و لا يحسن الاختيار ، و لا عجب في ذلك فقد تعودوا تزوير الانتخابات و مصادرة إرادة الشعوب, وهم رافضون لهيئة الانتخابات التي انتخبها المجلس الوطني التأسيسي رغم مشاركتهم في كل اجراءات تكوينها صلب المجلس و حجم التوافقات التي حصلت بين مختلف الكتل وهو ما ثمّنه الديمقراطيون الحقيقيون في المعارضة الديمقراطية و لا عجب في ذلك فقد تعوّد هؤلاء على قرارات التنصيب و منطق الغنيمة . هؤلاء ليسوا سوى فئة صغيرة من البرجوازية المتعفنة التي يصعب حصر العقد النفسية التي تعاني منها وهي مجموعة منبتّة عن قيم المجتمع و تريد ممارسة الوصاية الفكرية و لديها استعداد للتحالف حتى مع الشيطان للوصول الى السلطة أو الاطاحة بالحكومة الحالية المنتخبة وهي ترفض صناديق الإقتراع لأنّها تعلم أنّها بعيدة عن نبض الشارع و تسعى لافتكاك السلطة عبر انقلاب عسكري أو الفوضى و الفراغ . لو وظّف هؤلاء امكانياتهم المادية /وهي كبيرة / و آلتهم الاعلامية الضخمة {وهي وريثة النظام البائد و عائلته } لخدمة الشعب و عرّفوا ببرامجهم و بدائلهم الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و احترموا قواعد الاشتباك السياسي لدخلوا قلوب الناس خاصة مع ضخامة التحديات التي تخوضها الحكومة الحالية و محدودية الامكانيات لمواجهتها . لكن المفارقة العجيبة ان الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية لهذه القوى لا تختلف عن خيارات الحكومة الحالية فجميعهم يتبنى الليبرالية الاقتصادية و السياسية عدا بعض قوى اليسار ليبقى جوهر الصراع هو في الاستعداد لقبول الآخر و هضم ما أفرزته صناديق الاقتراع و الاستعداد للتعايش بين الجميع ، لكن أغلب هؤلاء كانوا الذراع الاعلامي و الثقافي لبن علي و منظري سياسة الاستئصال و تجفيف المنابع لذلك فهم يلعنون الديمقراطية و مدنية الدولة صباحا مساء و يوم الأحد و لا يمكن أن يعيشوا إلاّ في جبّة بوهم الحنين الذي تركهم كالأيتام .