منير مصلح سأل الخليفة عمر بن عبد العزيز معاونيه قائلا أتدرون من الأحمق؟ فأجاب أحدهم ''من باع آخرته بدنياه''. فقال كلاّ، فذاك غبي أمّا الأحمق فمن باع آخرته بدنيا غيره... وهؤلاء هم معاونوا الظّلمة وما أكثرهم... فلولاهم ما تمكّن الطّغاة وما تجبّروا وما ظلموا وما استضعفوا غيرهم من البشر. لقد عاشت الشعوب العربيّة عقودا وقرونا تحت وطأة الاستعمار والقهر والظلم والتّآمر وهي تتوق للحرية والازدهار وما انتفاضة شعوب المنطقة وثورتها على الأنظمة الظالمة والمستبدّة إلا ّسعيا للتّغيير. وما انتخبكم الغالبيّة وأوصلوكم سدّة الحكم إلاّ أملا منهم في العدل و الاصلاح عملا بمبدإ ‘‘لا تخشى ممّن يخشى اللّه‘‘... حيث أنّه من يخشى اللّه مطالب بطاعة اللّه والعمل بما يرضي اللّه أوّلا وآخرا وهو يعلم أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مهما علا شأنه. فهل أوفيتم بالوعود ؟ وهل أدّيتم الأمانة ؟ هل أرجعتم الحقوق إلى أصحابها ؟ هل حاسبتم المجرمين واللّصوص ومعاوني الظّلمة ؟ ماذا فعلتم لإرساء العدل بين النّاس ؟ منذ تولّيكم الحكم تجنّبتم المواجهة مع الأزلام وأردتم التّعبيرعن حسن النّيّة والصفح وطي صفحة الماضي. ونسيتم مبدأ ''إن أنت أكرمت اللّئيم تمرّد''. إذ أنّ من لايميّز بين الحِلم والضعف لا يكون جديرا بالصّفح والحوار. ما معنى أن تملي أقلّية لا تمثّل شيئا مشيئتها على من فوّضهم أغلبيّة الشّعب ؟ ولما تضعون أنفسكم دائما في زاوية الدّفاع ؟ لما لا تبادرون بالهجوم ؟ ألستم تدافعون على الحق ؟ إنّ التّخاذل والإنبطاح يوحي بالضّعف. فكيف يكون من فوّضته الأغلبيّة ضعيفا ؟ إلاّ إذا كان قد وقع توريط بعض القيادات في أخطاء جسيمة أو فساد أو شبهات فصرتم عرضة للإبتزاز وقايضتم مصلحة البلاد بدرء الفضيحة. فإن كان الأمر كذلك فيا خيبة المسعى. شخصيّا لم أفهم سبب صمتكم عن الإنتهاكات في حقوق الأبرياء وأنتم من ذاق الأمرّين زمن الإستبداد. لم أقدر أن أعي تواطئكم مع مخترقي القانون وكيف يصير تطبيق القانون مرتبط باسم الشّخص وانتمائه ونفوذه ؟ والأمرّ من ذلك أن يقع اتّهام أحد رموز حركة النّهضة بإعطاء الأمر لإخلاء سبيل رمز من رموز الثّورة المضادّة و جعله فوق القانون في مسرحيّة سيّئة الإخراج ولا يقع تفنيد هذا الإدّعاء بصفة رسميّة وعبر القضاء. فهل هو ضعف أم تواطئ مفضوح ؟ لقد تكاثر في المدّة الأخيرة تطاول جلاّدو الزّمن الذي حسبناه ولّى دون رجعة وتعمّدوا ترويع الآمنين وظلم وقهر الأبرياء بحجّة الحرب على الإرهاب في حين يرتع المجرمون والمحرّضون والإرهابيّون. يحدث كلّ هذا وأنتم في السّلطة وأنتم المسؤولون أمام اللّه !! أين أنتم من عمر بن الخطّاب الذي يخشى أن يُسأل عن بغلة تقع في أرض المسلمين ؟؟ وأين أنتم من عمر بن عبد العزيز الذي بكى حتّى أُغمي عليه من شدّة خشيته من مسؤوليّة إمارة المؤمنين ؟؟ لقد انتخبكم الآلاف من المضطهدين لإرساء العدل لا لتنظمّوا إلى فيالق معاوني الظّلمة واللّصوص. إنّ التّستّر عن الجريمة مشاركة فيها والسّاكت عن الحق شيطان أخرس فما بالكم بمن يحمل وزره ووزر الرّعيّة ؟؟ أن يصير من يمسك بزمام الأمور أسيرا لشرذمة من المفسدين والظّالمين فهذا قمّة الغباء و أعلى مراتب الحمق. استفيقوا من غفوتكم رحمكم اللّه وثوبوا إلى رشدكم وتوبوا إلى خالقكم وأمسكوا بالعروة الوثقى. لاتخشوا النّاس واخشوا اللّه. فمن يخشى اللّه يجعل له مخرجا. ومن يخشى اللّه يجعل له من أمره رشدا.. التفّوا حول شعبكم وصارحوه بالحقائق كما هي لتستمدّوا قوّتكم منه في مجابهة الظالمين و الفاسدين والإنقلابيين والمتآمرين. لقد أخطأ كل مستبد حين همّش شعبه وتحالف مع شرذمة من المفسدين وسعى لإرضاء الأعداء واستقوى بهم على شعبه لأنّه كذلك يصير عبدا لهؤلاء وعدوّا لشعبه فتضعف سلطته ويصير كيانه هشّا لا يتحكّم بالأمور إلاّ عنوة وقهرا. لقد آثرتم الحوار والتّفاوض مع أعداء الثورة والبلد والحاقدين على الدّين آملين في توحيد الصفوف ودفع التشتّت والتّفرقة واللّه قد حذّر من المنافقين الذين يبدون أشياء ويضمرون عكسها. لقد أخطأتم التّقدير حين مددتم أيديكم لقوى الباطل وأعداء الثورة لأنّهم وببساطة لن يرضوا عنكم حتّى وإن اتّبعتم ملّتهم وتنازلتم عن مبادئكم، وفي المقابل أدرتم ظهوركم لمن فوّضكم ومن ساندكم ومن تقاسم معكم المبادئ والأهداف. أما اعتبرتم من الماضي ؟ وهل يلدغ المؤمن من جحر مرّتين ؟ كيف تفاوضون من يمكر لكم ويتمنّى فناءكم وهو مستعد لبيع البلد من أجل ذلك ؟ أ تأمنون من لا عهد ولا ميثاق لهم ؟ هل ترجون خيرا في من طبع اللّه على قلوبهم وأعمتهم الأحقاد ؟ سوف تسألون فردا فردا عن حقوق المظلومين وعن تواطئكم مع قوى الباطل وعن ما فعلتم وما لم تفعلوا في حق البلاد والعباد...