بقلم الأستاذ بولبابة سالم عندما تتصدّر الصفحات الأولى لأربع صحف يومية نفس الخبر متضمّنة صورة الشخص المراد تسويقها لرئاسة الحكومة القادمة فالأمر ليس صدفة و لا توارد أفكار و خواطر , و هل توجد صدف في عالم السياسة المليء بالحسابات و التكتيكات و حتى المناورات . لن أتحدّث عن هذه الشخصية المحترمة فليس المجال لتقييم الشخصيات المُرشّحة لرئاسة الحكومة المقبلة التي تبقى من مشمولات المشاركين في الحوار الوطني , و قد تكون هذه الشخصية المُشار إليها { السيد عبد الكريم الزبيدي } في تلك الصحف لا تريد أن تقحم نفسها في هذا الموضوع , لكن ما سنتناوله بالتحليل هو ذلك التسويق الممنهج لشخصية سياسية و الحرص على تلك الدعاية المجانية من أقلام مختلفة و صحف لطالما صدعت رؤوسنا بالحديث عن حرية الإعلام و رفضها للإملاءات , تلك الحادثة تثبت وجود تنسيق أو أمر من بارونات السياسة و الإعلام في تونس لمحاولة فرض خيارهم السياسي على التونسيين , و من الغرائب التي يبقى المرء باهتا أمامها هو مشاركة صحيفة تملكها الحكومة في هذه الحملة . من الممكن أن يسيطر بعض عتاة النفوذ المالي على بعض الصحف الخاصة و المستقلة لكن أن تمرّ كلمة السرّ إلى صحيفة تنفق عليها الدولة من دافعي الضرائب و لطالما تطايرت لعاب بعض صحفييها استنكارا لما اعتبروه محاولة الحكومة التحكّم في خطّها التحريري فإذا بهم يتجاهلون كل تلك القيم التي لم يناضلوا يوما من أجلها في عصر الإستبداد و ينخرطوا صاغرين لمن أمرهم بنشر ذلك الخبر فأذعنوا و صمتوا فنشروا . قد يكون الأمر بالونة اختبار لجسّ نبض الرأي العام و تهيئته للقبول بمن اختاروه لوحدهم و فرضه على الجميع . نحن لسنا في زمن عبد الوهاب عبد الله و التاريخ الأسود للإعلام النوفمبري عندما كانت الجرائد لا تختلف إلا في العناوين { و قد أقرّ بن علي نفسه بذلك فصرّح مرّة بأنه لا يقرأ الجرائد التونسية لأنها متشابهة } , لكن بعض الإعلاميين يريدون عبد الوهاب عبد الله جديد و لديهم قابلية عجيبة لقبول الأوامر فمن شبّ على شيء شاب عليه و في سبيل المصالح و الحقد الإيديولوجي و الغنائم التي يكسبوها تنهار كل المبادئ و الشعارات الرنانة , و للإشارة فمن يملك أربعة صحف يومية و إذاعتان و قناة تلفزية قادر على توجيه الرأي العام . طبعا يبدأ الخبر من صفحات التواصل الإجتماعي ليصبح في صفحات الجرائد ثمّ تتناوله بعض الإذاعات بالتحليل و تستضيف له محلّلين سياسيين لتتوّج المسرحية ليلا على شاشة التلفزة باستضافة المستفيدون من ترويج الخبر و الذين هم أصلا صانعيه . مازال السيستام شغّالا بقوّة و لذلك تعمل الدولة العميقة بأقصى جهدها لضمان مصالح المستفيدين من منظومة العهد البائد , و المتنفّذين في مجال الإعلام يعلمون بوجود لوبي إعلامي يتحكّم في مفاصل هذا القطاع و لهم قدرة غريبة على محاولة إقناعك بالشيء و نقيضه ضمن آليات التضليل التي تمرّسوا عليها لسنوات . لكن درجة الوعي لدى التونسيين تأبى كل محاولات الخداع و التسويق , و من مازال يعتقد في استبلاه الشعب و استحماره لا يدرك أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة , و لا نظنّهم قد تعلّموا الدرس من الحقبة النوفمبرية التي كانوا فيها عبيدا و يرفضوا اليوم أن يكونوا أسيادا , و الطّبع يغلب التطبّع .